كما كان متوقعا دخل الحزب الإسلامي المغربي العدالة والتنمية في طي النسيان بعد تلقيه الضربة القاضية وخسارته المدوية في الانتخابات التشريعية الأخيرة وحصوله على ا12 مقعدا مقابل 125 في انتخابات سنة 2016. علما بأن هذا الانهيار السريع للحزب الإخواني المغربي لم يفاجئ المراقبين في هذا البلد المغاربي بل كان متوقعا نظرا لسياساته اللاشعبية وانتهاكه للحقوق والحريات وترسيخه لنظام استبدادي شمولي بالإضافة لتطبيعه مع الكيان الصهيوني الغاصب.
بقلم البشير عبيد *
الناخب المغربي قال كلمته وحسم في تنظيم الإخوان جاعلا هؤلاء في أسفل السلم السياسي. وبهذه النتيجة المدوية والصادمة لأنصار هذا التنظيم تدخل حركات الإسلام السياسي من جديد في مأزق حقيقي مفاده أفول هذه الجماعات والتيارات المتدثرة بالدين من أجل الوصول للسلطة والحصول على الغنيمة بكل تعبيراتها ودلالاتها.
لا يقرأون دفاتر التاريخ
ليس خافيا على أحد أن قادة حركات الإسلام السياسي هنا وهناك في كل أقاليم الوطن العربيلا يرون في العمل السياسي سوى وسيلة لتحقيق المنافع ولا يتحقق لهم هذا الطموح الكبير إلا بالاستحواذ على السلطة وإيهام الجماهير الشعبية الكادحة بتحقيق العدالة والتنمية والحرية عبر إنجاز “المشروع الإسلامي” – هذا المشروع الطوباوي والخيالي والمعشش في رؤوسهم فقط – أما المدينة الفاضلة بخلفيتها الإسلاموية فهي في الحقيقة لا تساوي شيئا سوى الغنيمة والاستحواذ على خيارات أي بلد. وهنا تستحضرنا الحالة المغربية الراهنة التي لم تفاجئ النخب السياسية العربية المتابعة لتداعيات المشهد السياسي المغربي بل باغتت قادة حزب العدالة والتنمية. وهنا بيت القصيد :فهم لا يتصورون أنفسهم خارج المشهد بل هم قلب الرحى ومركز المشهد باعتبار امتلاكهم للحقيقة المطلقة والأفكار والمغايرة أو المناهضة لأطروحاتهم لا تساوي شيئا.
هذه المقاربة هي جوهر الفكر الإخواني الإسلاموي المنغلق على نفسه والمتظاهر بالانفتاح على الآخر. إنهم لا يعترفون بنواميس حركة التاريخ ودورة الزمن وما تتطلبه هذه الحركة والسيرورة من اجتهاد فكري وتأويل معرفي وقراءة نقدية.
لقد أثبتت التجارب أن عدم قراءة التاريخ أحداثا ومنعطفات ومسارات كبرى يسقط العاملين في الحقل السياسي في مطبات ومآزق يصعب الخروج منها. وهذا ما حدث مع حركات الإخوان المسلمين في أكثر من بلد عربي.
هؤلاء لا يعترفون بأخطائهم وما أحدثته سياساتهم اللاوطنية من انتكاسات وأزمات في كل القطاعات وهذا مرده عدم تقبل النقد والاعتقاد الجازم في صواب مقارباتهم بكل الإشكاليات في السياسة والاقتصاد وقضايا التنمية.
واضح وجلي أن قادة الفكر الإخواني الإسلاموي لم يتأملوا جيدا دفاتر التاريخ وسيرورته وميكانيزماته وما تحمله صفحاته من تجارب وإضاءات وانتكاسات شرقا وغربا.
إن النظر بعين واحدة إلى الأحداث والمنعطفات التاريخية والتفكير بعقل سياسي جامد يدعي الصواب والحكمة وامتلاك الحقيقة يؤدي بالضرورة إلى السقوط في النفق المظلم والانحدار إلى الهاوية.
الإخوان واستراتيجيا التمكين
بعد الصعود في القاطرة الأمامية “للربيع العربي” من باب الانتهازية وعشق الغنيمة بدأ الإخوان بإيهام الفئات الشعبية بأن مفتاح الحرية والعدالة والتنمية بحوزتهم ولا تستطيع أي حركة سياسية أن تتصدر المشهد وتقوم بالمهمة المستعصية في إدارة الشأن العام وإخراج عامة الشعب من أنفاق التخلف إلى أنوار التقدم.
والمؤسف أن هذا المخطط الذي أعدوه بإحكام صدقته الفئات الشعبية الكادحة والمهمشة وجزء من النخب العربية السياسية وفي إطار تطبيق هذه الاستراتيجيا أوهموا الناس أنهم الأذكى والأكفاء لقيادة المرحلة والوطن والأمة والحال أنهم يعطون الأولوية المطلقة للتنظيم قبل الوطن فالولاء للزعيم والحركة أما الوطن فهو وصف سياسي حداثي لقطعة من الجغرافيا. وللوصول إلى الضفة الأخرى أي استراحة “المحارب” واستنشاق هواء الغنيمة والارتواء من مياهها العذبة فلا بد من الاستحواذ على السلطة: ديمقراطيا عبر انتخابات مزيفة ومدعومة بالمال السياسي الفاسد أو انقلابيا بواسطة عمل عسكري مفاجئ إن أمكن ذلك كما حدث ذلك في السودان.
وبناء على ما قيل سلفا يمكن لهم التوغل في القطاعات الحيوية والحساسة (الداخلية والقضاء و الاقتصاد والإعلام والعلاقات الخارجية).
هذا هو جوهر الفكر الإخواني. السيطرة على منابع الثروة ومقاليد الحكم والاستفراد بها عبر التمكين وإرباك الخصوم وتكفيرهم وتخوينهم والتنظير والتبشير للفوضى العارمة إذا كانوا خارج السلطة أو أُخرجوا منها مثلما حدث في تونس ليلة 25 جويلية 2021.
إن النفق المظلم الذي دخله أكثر من بلد عربي نتيجة حكم الإخوان مآله النهاية لأن النور لابد أن يعود إلى مكانه الطبيعي عوض الظلام والخوف والرعب من الحاضر والمستقبل.
* كاتب سياسي وناشط حقوقي.
شارك رأيك