على فرض أن المحكمة الدستورية قد وجدت باعتبارها أحد مكونات السلطة القضائية، هل أن سلطات المحكمة ستكون أكثر نفاذا وأشد صلابة من الحكومة والبرلمان الذين حلهما رئيس الجمهورية قيس سعيد بجرة قلم ؟!
بقلم القاضي أحمد الرحموني
هل كان المشهد السياسي سيكون مختلفا لو تم إرساء المحكمةالدستورية؟ بمعنى هل أن وجود المحكمة كان سيحد من استعمال رئيس الجمهورية للسلطات المطلقة التي أتاحها لنفسه؟
ربما قد يرد على البال ان البت في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه هي من اختصاصات المحكمة الدستورية طبق أحكام الفصل 80 من الدستور التي استند إليها قيس سعيد في إعلان قراراته. لكن ألم يصرح الفصل 80 نفسه أن تعهد المحكمة الدستورية في هذه الحالة لا يكون إلا بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب أو ثلاثين من أعضائه ؟
أحكام الدستور بأكملها لم تمنع الرئيس من أن يعطل سلطات أساسية
وقد عاين الجميع أن وجود مجلس نواب الشعب (برئيسه وأعضائه وهياكله) وعدم وجود المحكمة الدستورية أصلا لم يحولا دون إصدار التدابير الاستثنائية التي أدت إلى تعليق جميع اختصاصات المجلس و رفع الحصانة على نوابه وتتبع بعضهم وقبول القضاء (سواء كان عسكريا أو مدنيا) بذلك وتعهده بالقضايا التي تخصهم، كما لم يكن ذلك مانعا من التمديد في تلك التدابير الاستثنائية إلى اشعار آخر والإعلان أخيرا أن التدابير ستستمر (ربما إلى الأبد!).
ومهما كانت التصورات، هل أن أحكام الدستور بأكملها قد منعت الرئيس من أن يعطل سلطات أساسية كالسلطة التشريعية ويعلق مؤسسات مركزية (كرئاسة الحكومة ومجلس نواب الشعب) وهيئات مستقلة (كهيئة مكافحة الفساد) ويغلق مقراتها حتى نعتقد أن المحكمة الدستورية (التي لا تمثل أكثر من هيكل دستوري) يمكن أن تحد من سلطات رئيس الجمهورية!
هل يجدي “التحسر” على عدم إرساء المحكمة الدستورية؟
وعلى فرض أن المحكمة الدستورية قد وجدت باعتبارها أحد مكونات السلطة القضائية، فهل ان سلطات المحكمة ستكون أكثر نفاذا وأشد صلابة من الحكومة والبرلمان؟! وحتى لا تأخذنا الأوهام، ألم يضع المكلف بوزارة الداخلية (بأمر من الرئيس) قاضيين لم يفقدا صفتهما بالإقامة الجبرية، أحدهما كان رئيسا أول لمحكمة التعقيب، ولم ينبس المجلس الأعلى للقضاء ببنت شفة؟!
وفضلا عن ذلك، فقد أعلن الرئيس مساء يوم 20 سبتمبر الجاري اتجاهه إلى إصدار أحكام انتقالية للحالة الاستثنائية (وهي بمثابة تنظيم مؤقت للسلطات) ستؤدي الى “حل البرلمان” وتعيين حكومة وتعليق الدستور دون أية إشارة إلى مصير السلطة القضائية ومؤسساتها الدستورية! فهل يمكن أن نتوقع أكثر من ذلك، وأن” نتحسر” على عدم إرساء المحكمة الدستورية؟!
شارك رأيك