بدأ الشارع التونسي ينقسم تجاه التنظيم الؤقت للسلط الذي أقرّه رئيس الجمهورية التونسية السيد قيس سعيد، مما يرفع علم التحذير والخوف من الانزلاقات والانحرافات نحو المواجهة الحقيقية في الشارع بين الفريقين، ويمنح الفرصة لمن يريد لتونس الشرُ أن يدخل ليغرس الفتنة بين الجانبين، والحال أن الفريقين تونسيون مواطنون يحبون وطنهم ويسعون إلى أن يكون آمنا مطمئنا، لا تغذيه العصبية ولا الأيديولوجيا ولا التحزّب ولا التفرد بالرأي.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
على التونسيين إذن أن ينتبهوا إلى هذا الخط الأحمر الذي إذا تعدّيناه فسنجد أنفسنا أمام واقع مؤلم شديد الغموض يجرح البلاد من الداخل فيفتتها ويشتّتها، لذلك ينبغي على العقلاء أن يُدركوا ذلك قبل فوات الأوان، وبعدئذ لا ينفع النّدم، ولا تنفع لغة “لوْ” وهي مفتاح لباب شيطان السياسة يدلج من خلاله كل متربّص بتونس من قريب أو بعيد.
فتونس الدولة التي شهدت تغييرا جذريا في 2011 تعاني اليوم من التأزم السياسي وتفاقم السجالات السياسية بين طرفي الصراع، بين من يرى الرئيس قيس سعيّد منقلبا على الدستور وبين من يراه مُصلحا لكسْرٍ حدَث في الديمقراطية خلال السنوات الماضية، وهي معاناة مستمرة كما يبدو يؤجّجها البعض وفق أجنداته الخاصة، وصفحاته التواصلية بشتى أنواع النشر، الطيب منها والخبيث، ويحاول البعض الآخر أن يبحث عن الأصوات العاقلة في المشهد السياسي لتتوسط وتخمد سعار نار الخلاف حتى لا تتحول إلى لهيب يحرق الجميع، بينما يسعى أنصار الرئيس إلى رفض كل رجوع للوراء بما في ذلك السماح لمجلس النواب بالعمل.
ضرورة الاستشارة واستصحاب الرؤى المختلفة لإنقاذ البلاد
لكن السيد قيس سعيد حسم الأمر حينما أصدر أمرا بمواصلة تجميد مجلس النواب ورفع الحصانة عن جميع النواب، فكان الانقسام الشديد حول ماهية المرحلة المقبلة، وما يمكن أن ينجح فيه الرئيس أو يفشل عند قيامه بتشكيل حكومة جديدة يعيّنها بنفسه، والحال أن تشكيل مثل هذه الحكومة في هذا الظرف الاستثنائي دون إشراك القوى السياسية الوطنية وبعض الأحزاب الفاعلة والمنظمات المحلية والشخصيات الدستورية والقانونية للاستشارة واستصحاب الرؤى المختلفة لإنقاذ البلاد من أزمة حقيقية سياسية ودستورية فإن ذلك سوف يُثقل كاهل الرئيس ويضعه في فوهة المدفع، فقد لا تستجيب له الشخصيات التي يريد تعيينها لممارسة نشاطها الحكومي، فيجد نفسه في مأزق كبير ويتأخر بموجبه هذا التشكيل إلى إشعار آخر.
وقد تواجه التشكيلة الحكومية معارضة شديدة من الداخل من بعض الأحزاب التي تكتلت وبعض الشخصيات المؤثرة في المشهد السياسي فتقف عاجزة عن أداء مهامها مما يضطرها في النهاية إلى الاستقالة وهذا أيضا يُحرج رئيس الجمهورية ويدفعه إلى البحث عن بدائل أخرى في وقت تضيق فيه الخيارات بين هذه البدائل، ومن ثم فإن الرؤية الصائبة تدعو إلى الالتزام بالهدوء وعدم الاستعجال والاحتكام إلى العقل والإصغاء إلى ما يريده الشعب التونسي من الرئيس والحكومة والبرلمان، وما ينبغي على الرئيس أن يفعله في المرحلة القادمة، وعلى مستشاريه السياسيين أن يسعوا إلى إقناعه بفكرة الانفتاح على بعض الأحزاب والمنظمات لترسيخ مبدأ التعددية وإبعاد التهمة عنه بمحاولة الانفراد بالسلطة.
ضرورة إشراك كل القوى الوطنية في أي حل سياسي
ولا يمكن أن ينجح هذا المسار إلا بعد اقتناع رئيس الجمهورية بضرورة إشراك القوى الوطنية في أي حل سياسي والتنازل عن الاحتكام إلى القول الواحد والفعل الواحد والانفراد بالحكم الواحد، حتى لا يجد المعارضون له منفذا يعملون من خلاله على إضعافه أمام الرأي العام التونسي. فنوايا الرئيس حسنة في المجمل ينقصها التبلور على أرض الواقع من خلال التعامل مع الآخر، وفسح المجال لرؤيته الإصلاحية في السياسة التونسية لعلها تُجدي بعد فساد الرؤية البرلمانية وعدم تحقيقها الأهداف المنشودة، فما زال في عُهدته الرئاسية ما يُمكن أن يقدم للشعب التونسي نموذجا جديدا للحكم في تونس.
وخروجا من هذا النفق الذي بدأ يميل للظلام بعد مشوار من الإجراءات، نقترح إجراء استفتاء شعبي على إجراءات الرئيس قيس سعيد، فإن حازت إجراءاته على أغلبية الأصوات مضى فيها دون تدخل من الطرف الآخر، وإن لم تحظ بالموافقة من أغلبية الشعب التونسي فيُنهي الرئيس هذه الإجراءات الاستثنائية فورا ويبادر إلى الحوار مع مختلف الأطياف السياسية للخروج من حالة الاحتقان التي عليها الشعب التونسي والتي يمكن أن تؤدي في حال تواصلها وتفاقمها إلى ما لا يُحمد عقباه، وبهذا المقترح يمكن أن يهدأ الشارع وتهدأ الأقلام المتأرجحة.
شارك رأيك