حركة النهضة لم تعد حركة النهضة بعد مؤتمرها العاشر في عام 2016 و حتى قبله بقليل، و بالخصوص بعد زلزال الإجراءات الاستثننائية التي أعلنها الرئيس قيس سعيد يوم 25 جويلية 2021. كانت حركة تحسن المناورة و الالتفاف، و تبدي برغماتية عالية وقت الأزمات و الضغوط، مما جعلها تصمد طويلا بعد انسحاب شخصيات مؤسسة و فاعلة من الصف الأول و الوزن الثقيل و تبقى متماسكة، أو هكذا كانت يبدو للملاحظين. لكنها اليوم تبدو حركة متهاوية في طريق الانقسام و التفكك و الانهيار.
بقلم توفيق زعفوري *
أول أمس، الجمعة 24 سبتمبر 2021، استقال 113 عضوا من حركة تترنح و تتهاوى منذ فترة و خاصة بعد نشر رسالة المائة منذ أشهر.
هذه الاستقالة الجماعية التي تنضاف إلى عديد الاستقالات الفردية هي بمثابة شهادة وفاة لحركة النهضة و تشظيها الهائل الذي سببه رئيسها راشد الغنوشي و سياسته في إدارة الشأن العام و عدم انسجامه مع واقع متحول و فشله في إدارة البرلمان و غيرها من الأسباب التي نبّه إليها المنسحبون أكثر من مرة.
سقوط النهضة في تونس إعلان نهاية الإسلام السياسي في كامل المنطقة
الحقيقة أن ما حصل ليس مستبعدا من شخص تربع على عرش الحركة أكثر من أربعة عقود، و ماطل في عقد مؤتمر الحركة الحادي عشر و أجّله و لا زال يصر على نفس رأيه. هي نزعة تسلط و ديكتاتورية مع سبق التشبث، في تناقض واضح بين الدعوة إلى الديمقراطية و بين إنكاره لها داخل أسوار حركته. وهو ما يترجم أيضا عدم احترام القيادات داخل الحركة و خياراتهم و لا حتى نظامها الداخلي.
استقالة 113 شخصا من قيادات مركزية و جهوية و قيادات فاعلة في الحركة هو ضربة كبيرة لما يسميه التونسيون الإسلام السياسي أو إعلان نهايته، فلم تعد النهضة الحركة الأكثر تماسكا، و الأكثر تموّجا مع الواقع، و لكنها اليوم تتقدم بخطى ثابتة إلى نفس مصير نداء تونس و عديد الأحزاب اليسارية، و هي الآن لا تختلف عن قطعة فسيفساء صغيرة مكونة لمشهد ضاق بها و لفظها رغم محاولات إيهام القواعد بالعكس، تلك القواعد التي أمضت اليوم و من أغلب جهات البلاد على عدم رضاها عن سياسة الحركة و انسحابها و استقالتها منها.
وجوه كريهة فاسدة دمرت البلاد و تقيأها التونسيون
لم يبق في الحركة إذن غير الغنوشي و صهره رفيق بوشلاكة و عبد الكريم الهاروني و محمد القوماني و بعض الوجوه التي تقيأها التونسيون… هؤلاء لا وزن لهم في الشارع و لا حتى لدى بقية المكوّن المشهد السياسي عموما.
سيسجل التاريخ أن حركة النهضة الفاعلة صاحبة الحل و العقد، صانعة رؤساء الحكومات و أيضا صانعة مأساة تونس سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا، هي سبب تغير المشهد السياسي بصفة كلية و في سيرورة تحوله بعد الخامس و العشرين… إنما طُحنت و سُحقت و تلاشت بعد المرسوم عدد 117 الذي أصدره الرئيس سعيد يوم 22 سبتمبر و لم يبق إلا إثارة الدعاوي ضدها و ضد قادتها حتى تنتهي كما انتهى حزب التجمع الدستوري الديمقراطي عام 2011…
* مرشد سياحي و محلل سياسي.
شارك رأيك