من الواضح أن رئيس الجمهورية قيس سعيد قد أرسى بموجب الأمر الرئاسي عدد117 لسنة2021 المؤرخ في22 سبتمبر2021 حكومة صورية منزوعة الصلاحيات وتحت هيمنة رئيس الجمهورية، من ذلك أنها تسهر على تنفيذ السياسة العامة للدولة طبق التوجيهات والاختيارات التي يضبطها رئيس الجمهورية – بما في ذلك إعلان الحرب و السلم – و أنها مسؤولة عن تصرفها لديه.
بقلم القاضي أحمد الرحموني
ما احاله قيس سعيد لنفسه من سلطات بموجب القرار الرئاسي عدد117 لسنة2021 المؤرخ في22 سبتمبر2021 يتجاوز كل تصور. وربما يكون إعلان الحرب وإبرام السلم أقلها استعمالا ولكن أكثرها خطورة على مستقبل البلاد ومصيرها.
الفصل 12 من القرار عدد 117 يقتضي ان من جملة ما يمارسه رئيس الجمهورية “إشهار الحرب وابرام السلم بعد مداولة مجلس الوزراء”. ومجلس الوزراء هذا، الذي أراد قيس سعيد أن يجعله عوضا عن مجلس نواب الشعب، يراسه بنفسه (الفصل 19 من الأمر 117) ويضم أعضاء الحكومة المكونة من رئيس (هو في الحقيقة أقل نفوذا من وزير أول) و وزراء وكتاب دولة يعينهم رئيس الجمهورية (الفصل 16من نفس الأمر)، وبالطبع يعزلهم متى شاء.
حكومة صورية منزوعة الصلاحيات وتحت هيمنة رئيس الجمهورية
من الواضح أن قيس سعيد قد أرسى بموجب الأمر الرئاسي المذكور حكومة صورية منزوعة الصلاحيات وتحت هيمنة رئيس الجمهورية، من ذلك أنها تسهر على تنفيذ السياسة العامة للدولة طبق التوجيهات والاختيارات التي يضبطها رئيس الجمهورية (الفصل 17) و أنها مسؤولة عن تصرفها لديه (الفصل 18).
ورغم أنه اعتمد في تصوره ذاك على”نظام رئاسوي” استمده من دستور 1 جوان 1959، إلا أنه مع ذلك اتجه إلى الحد من صلاحيات رئيس الحكومة إلى المستوى الأدنى الذي جعل منه مجرد تابع لا يرقى إلى موقع “وزير أول”، من أمثلة ذلك أن الوزير الأول طبق دستور 1959 يقترح على الرئيس تعيين بقية أعضاء الحكومة (الفصل 50)، في حين لا يملك ذلك رئيس الحكومة الذي يعينه قيس سعيد مع بقية الوزراء وكتاب الدولة (الفصل 16 من نفس الأمر).
وفي ضوء ذلك يمكن أن نستنتج بسهولة أن مداولة مجلس الوزراء بشأن أخطر القرارات مصيرية (الحرب و السلم) تختصرها إرادة رئيس الجمهورية واختياراته، وهي وضعية لم يشهد تاريخ البلاد و لا تجارب العالم مثيلا لها.
البلاد بدأت تسير منذ مدة ضد طبيعة الأشياء
وفي هذا الخصوص، ينص الفصل 48 من دستور 1959 أن رئيس الجمهورية يشهر الحرب ويبرم السلم بموافقة مجلس النواب. وفي نفس السياق، يقتضي الفصل 77من دستور 27 جانفي 2014 (المعلق! على الأقل في هذا الباب) أن رئيس الجمهورية رغم أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة يتولى إعلان الحرب وإبرام السلم بعد موافقة مجلس نواب الشعب بأغلبية ثلاثة أخماس أعضائه. وعلى سبيل المقارنة، نشير إلى أن الفصل 35 من الدستور الفرنسي المؤرخ في 4 أكتوبر 1958ينص على أن إعلان الحرب يرخص فيه البرلمان، كما أن معاهدات السلم لا يمكن المصادقة عليها إلا بقانون طبق الفصل 53 من نفس الدستور. ومن المستقر في كل بلاد الدنيا ان شؤون الحرب والسلم ترجع بطبيعتها إلى السلطة التشريعية أو تكون تحت رقابتها. لكن يظهر ان البلاد بدأت تسير منذ مدة ضد طبيعة الأشياء.
شارك رأيك