لم تنتظر جزيرة قرقنة قرار إشراكها من قبل السلطة الجديدة في بناء جديد إنما هي تتحرك وتبادر. وهو ما أرى فيه إشارة (وهي مزدوجة إلى رئاسة الدولة وإلى من يطالبه بالتشاركية في رسم سياسات ما بعد 25 جويلية 2021) إلى أن المساهمة في الشأن العمومي متعددة صيغها ومن الأهمية بمكان تفعيلها كلها حرصا على ديمقراطية القرار وعلى النقاش التعددي.
بقلم فتحي الهمامي *
بعد أن هدأت لفترة تستأنف على ضوء المتغير السياسي الجديد الوقفات “الوطنية” التي مدارها شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة. تلك الساحة العامة التي يتركز عليها نظر وسائل الإعلام فلا تفلت أي حركة فيها عن متابعتها وتغطيتها. فالشارع “الرمز” يمثل عندها وعند الكثيرين مركز المركز، الفضاء العلامة، الساحة التاريخية المفضلة لإنطلاق او تتويج نشاط سياسي بَرَّانِيّ.
ولهذا لم ينتبه الكثيرون إلى ما جدَّ يوم 25 سبتمبر 2021 في بقعة قَصِيّة في أطراف المركز الثاني صفاقس.إذ بادر يومها عدد من المواطنين في جزيرة قرقنة إلى تنظيم تجمع في الشارع أسموه “وقفة إسناد ومساندة للقرارات الإستثنائية التي أقدمت عليها مؤسسة الرئاسة ” تمَّ أثناءه تلاوة نصّ بيان نشر فيما بعد في وسيلة الإتصال الإجتماعي الفايسبوك. والنص نفسه لم يتم إلتقاطه من قبل إعلاميين.
أشكال المشاركة في بناء الجديد
لذا أعتقد أنهم ربما فوتوا على نفسهم وعلى الرأي العام فرصة – ولكن بالإمكان تداركها – البحث في معاني الوقفة ودلالات ما جاء في البيان خارج السياقات “التقليدية” للفعل السياسي. ولكن كيف ذلك؟ هل لهذا الحد يبرز من هذه الوقفة معاني سياسية مهمة؟ هل تراها ترسم طريقا نحو تأثير سياسي ذي شأن؟ وهل يشكل بيانها مقدمة لنظرة سياسية ربما هي بصدد التبلور والتشكل؟
أقول: أظن ذلك كله إذا انطلقت الإرادة وتحررت من مكبلاتها. ففي الوقت الذي تشهد فيه البلاد إرتياحا في صفوف فئات واسعة من الناس إثر قرارات رئاسة الجمهورية ليوم 25 جويلية 2021 ثم ما تبعها من تدابير إستثنائية يوم 22 من نفس الشهر. فإن إشكاليات وتساؤلات وحتى مخاوف – وهذا طبيعي – تتكامل مع ذلك الشعور وترافقها.
معاني تحرك قرقنة
ومن تلك الإشكاليات قضايا تهم أشكال المشاركة في بناء الجديد، ونوع المساندة للتوجه المُسْتَحْدَث من قبل رئيس الجمهورية، وطبيعة الاهداف المطروحة راهنا. وفي هذا المجال أرى ان تحرك قرقنة يسهم في النقاش العام حولها بالمعاني التي اكتساها من خلال:
– تأكيد الطبيعة المواطنية لذلك التحرك والتي تعكس إيمانا عميقا بدور الفرد المواطن في وطنه وبأهمية وعيه بحقوقه وخاصة بواجباته. فإذا كان للأجسام الوسيطة (جمعيات، منظمات، أحزاب….) أدوارا حيوية في الحياة العامة الديمقراطية عليها أن تقوم بها، فإن للمبادرات المواطنية أيضا مكانا تعبئه وفضاء تملأه نظرا لصبغتها الأفقية وتحررها من إكراهات الإصطفاف الحزبي.
– التجسيم العملي لمبدا التشاركية والسعي إلى إعمال حق الإسهام في تقرير مصير البلاد بعد تغيير 25 جويلية، فلم تنتظر جزيرة قرقنة قرار إشراكها من قبل السلطة الجديدة إنما هي تتحرك وتبادر. وهو ما أرى فيه إشارة (وهي مزدوجة إلى رئاسة الدولة وإلى من يطالبه بالتشاركية في رسم سياسات ما بعد 25 جويلية) إلى أن المساهمة في الشأن العمومي متعددة صيغها ومن الأهمية بمكان تفعيلها كلها حرصا على ديمقراطية القرار وعلى النقاش التعددي.
– اعلاء مبدأ الوضوح بإبداء المساندة لتوجه السلطة الجديد الساعي لإنقاذ البلاد من الإنهيار وإلى قطع دابر الفساد من ترابها. لذا فإن حراك قرقنة يعلن دون مواربة من خلال بيانه الدعم الكامل للإجراءات السياسية في محطتي 25 جويلية و22 سبتمبر بل تضامنه معها. وكان ذلك من خلال بيانه المكتوب، على عكس تحرك المسرح البلدي المعارض (يوما 18و 26 سبتمبر) المكتفي بشعارات وهتافات تناقضها أكثر من اتفاقها.
– الحرص على أن تكون تلك المساندة نقدية (أي خارج منطق المولاة) علاوة على أنها مشروطة بإلزامية مرور السلطة إلى الفعل والإنجاز، ولهذا يصر المبادرون على استقلالية رؤيتهم وذلك عن طريق بلورة جملة من الأفكار وتقديم عدد من المطالب جاءت في بلاغهم.
وفي الخاتمة أسأل: هل استقرائي لتلك الواقعة السياسية اكتسى بعض المبالغة ؟ أقول ربما، ولكن أعتقد أن تلك المبادرة القادمة من “الهامش” ترسم مشروع طريق بالإمكان السير فيه إذا ما تم وضع معالمه وشرع في تعبيده.
* ناشط حقوقي تونسي.
بيـان الحِراك الشعبي بقرقنة
استجابة للدعوات التي وُجّهت في عموم البلاد لإنجاز وقفة اسناد ومساندة للقرارات الاستثنائية التي أقدمت عليها مؤسسة الرئاسة التونسية يوم 25 جويلية2021، ينخرط الحِراك الشعبي بقرقنة بكافة أطيافه ونسيجه المدني في هذه الوقفة لتعزيز المدّ الشعبي في ربوع الوطن قصد الدفع بهده الإجراءات كي تنجز مهامها وتستوفي مالاتها رغم الهجمة الشرسة للمتربصين بالمسار وقوى الجذب إلى الوراء. وبناء عليه يهمّ الحراك الشعبي بقرقنة أن يتوجّه بعدّة رسائل:
1- بعيدا عن منطق التقديس للزعامات أو الاصطفاف الأعمى وراء الأشخاص نحيي القرار التاريخي الذي أقدم عليه الرئيس قيس سعيّد في اتجاه انقاذ الوطن وكيان الدولة بعد أن أوشكت على الانهيار في مجمل نسيجها المؤسساتي
2- إنّ المراهنة على قطع دابر الفساد والمفسدين والضرب على أيادي السماسرة والمضاربين والمتلاعبين بقوت الشعب وحقّه في الحياة الكريمة لهي من صميم مهام وطنية تستوجب كل الدعم تطهيرا للبلاد ممن احترفوا امتصاص دماء الفقراء والكادحين.
3- إن تصويب بوصلة الثورة وشعارها المركزي: شغل حرية كرامة وطنية، وفكّ الارتباط مع قوى الالتفاف عليها طيلة العشرية الماضية، هي من أهم القرارات التي نتبنّاها وننخرط فيها وندفع مؤسسة الرئاسة للمضيّ قُدما في تكريسها عمليا.
4- إنّ التمييز بين الشرعية والمشروعية التي اعتمده رئيس الحمهورية هو تعبير فعلي عن مضمون الديمقراطية الحقّة حيث السيادة للشعب.
5- إن الدفاع عن سيادة البلاد واستقلالية القرار الوطني والوقوف ضدّ محاولات الارباك التي ينتهجها العملاء عبر الاستقواء بالقوى الأجنبية لحشر مؤسسة الرئاسة في الزاوية ومحاولات إرغامها على التراجع تدعونا جميعا إلى التجنُّد لتعزيز هذه المواقف الوطنيّة التي تصبّ في خانة: لا ولاء إلاّ لتونس والخزي للخونة.
6- إنّ أهالي الجزيرة يعيشون في وضعية صعبة في كلّ مناحي الحياة نتيجة انتصاب لوبيات تتحكّم في مصير السكّان بما يدعو سريعا إلى تفعيل أهداف القرارات الاستثنائية لغاية تطهير الجزيرة من الفاسدين.
7- إنّ التعهّد بالاصطفاف وراء المفقّرين والمعطلين والمهمشين والكادحين والمظلومين هو تعبيرة طبقية عالية الهمّة شريطة اعتماد سياسات اجتماعية ومنوال اقتصادي كفيل بتحقيق هذا التوجّه وتحطيم الدولة المفيوزية المارقة من أجل التأسيس للدولة الراعية والعادلة.
8- رُغم ادراكنا لجسامة المهام وتعقيدات الواقع القائم وحجم الكوارث والصعاب التي خلفتها سياسات الفاشست الاخواني ومن يدور في فلكهم فإننا نطالب بالإسراع في تفعيل هذه القرارات ورسم مسار شفّاف لمراحل الإنقاذ وتحقيبها زمنيا بما يضمن وضوح الرؤية وطمأنة الشعب على مستقبله.
تحيا تونس حرّة مستقلة أبد الدهر…
قرقنة في 25 سبتمبر 2021
شارك رأيك