لقد بات جليّا أن موقف الأستاذ سمير ديلو و من يقفون معه فيما يسمى “خانة المنشقين عن حركة النهضة” هو نفس الموقف المنافق و المناوىء الذي يضمر عكس ما يقول و أنه يمارس شكلا من أشكال التضليل “البصري” المفضوح وصولا إلى أهداف رسمها الشيخ راشد الغنوشى للتخلص من تبعات تقرير محكمة المحاسبات و ما يضمره الرئيس قيس سعيد لهذا الحزب الذي يتحمل مسؤولية الخراب الحاصل طيلة عشرية كاملة على كل المستويات.
بقلم أحمد الحباسى *
منذ فترة حدث هرج و مرج و تصريحات و كالعادة لم يفهم المتابعون ما حدث داخل غرف مجلس شورى حركة النهضة إلى أن خرج القيادي سمير ديلو غاضبا زاعما أن المرشد قد استقوى هذه المرة برأيه الفردي و بات التعايش معه تحت سقف واحد من شبه المستحيل. تبع هذا الغضب تقديم ما سمى “بعريضة المائة” التي أمضاها الأستاذ سمير ديلو رفقة بعض قيادات الصف الأول في الحركة مطالبين الشيخ راشد الغنوشى بالتنحي أو في مجمل الأحوال التأخر خطوة إلى الوراء كما جاء على لسان أحد الممضين للعريضة القيادي محمد بن سالم، و لم ينتظر الممضون و من بينهم الأستاذ سمير ديلو طويلا إذ بادرهم الشيخ بردّ قاس و موجع مستهزئا بهكذا تصرف ناقلا عبارته الشهيرة “لحم التماسيح عصى على الهضم”.
رواية الانشقاق انطلت على الكثيرين و لكن…
مع ذلك استمر الأستاذ ديلو في ما أسماه برغبته في عدم التسبب في تشقق بنيان الحركة على أمل أن يراجع الشيخ مواقفه لكن من الواضح أن الأمور لم تسر حسب أمنياته بل تعذر عليه إقناع رئيس الحركة بأن تواصل تواجده في منصبه ستكون له عواقب وخيمة خاصة بعد قرارات الرئيس قيس سعيد ليلة 25 جويلية الفارط، حينها خرج الأستاذ ديلو ناطقا عبارته الشهيرة “حالة إنكار”، نفس العبارة التي رددتها القيادية يمينة الزغلامى بعد نفس الاجتماع.
إلى هنا اعتقد البعض أن هناك انشقاقا حقيقيا داخل الحركة يتزعمه ديلو و بقية الممضين على لائحة المائة لكن أين الحقيقة من الخيال؟ ماذا حصل و لماذا “انشق” ديلو و بقية “الإخوة” و من دفعهم إلى هذا الموقف المحيّر ؟
هناك من صدق ديلو و قبله من صدق عبد الحميد الجلاصى و لطفي زيتون و محمد بن سالم و عبد اللطيف المكي و غيرهم، لقد انطلت على الكثيرين رواية الانشقاق و أسباب الانشقاق لكن في الواقع لم يكن هناك انشقاق أو على الأقل لم تكن الأسباب المعلنة هي الأسباب الخفية و لم يكن المنشقون غاضبين من وجود أو تواصل بقاء الشيخ راشد الغنوشى على رأس الحركة و كل ما في الأمر أن هناك تخطيطا خفيا يهدف إلى تلافي إرهاصات تقرير محكمة المحاسبات و ما تسرب من اعتزام الرئيس تفعيل أحكام الفصل 169 من الدستور بحل حركة النهضة و البحث الحثيث في مصادر تمويلها المشبوهة و الزج ببعض قيادتها و نوابها في البرلمان المجمد في السجن بشبهة الفساد و تلقى الرشاوى و خدمة أغراض دول أجنبية. لقد تفطن رئيس الحركة أن الحزب سيتم حلّه قريبا و أن الكتلة البرلمانية سيتم إسقاط شرعيتها الانتخابية المزورة و أن ساعة الحساب القضائية قد حانت و لا بدّ من مخرج.
مسرحية سيئة الإخراج و سيئة الأداء
لا يمكن الحديث أو التعاطي مع حركة النهضة بمعزل عن الحقيقة المتمثلة من كون الحركة ليست سيدة نفسها بل هي مجرد أداة سياسية لضرب الاستقرار في تونس و خدمة أجندات دول خليجية متآمرة، بهذا المعنى يدرك المتابعون الآن أن انشقاق سمير ديلو و بقية الرفاق ليس إلا مسرحية سيئة الإخراج يراد منها تكوين حركة نهضة مكرر لا يمكن متابعتها قضائيا و لا ينطبق عليها تقرير محكمة المحاسبات و هنا نجد تفسيرا منطقيا لتواجد سمير ديلو في “مليونية” النهضة و لكثافة تصريحاته الإعلامية التي يحاول فيها مدّ الجسور مع الرئيس أو على الأقل عدم إحراق كل السفن و الظهور مظهر “المنشق” الذي لم يكن جزءا من منظومة الخراب التي دمرت البلاد طيلة عشرية سوداء كاملة.
لا تزال بعض الدول الخليجية تعتبر حركة النهضة أداتها الطيّعة لتنفيذ مشروع الفوضى الخلاقة في تونس بصرف النظر عمن يقود الحركة و لذلك تقول التسريبات أن هذه الدول و أجهزة المخابرات المتعاملة معها بما فيها المخابرات الأمريكية التي كانت وراء زيارة نواب الكونغرس الأخيرة لم تعط لحد الآن أوامرها بتقاعد الشيخ راشد الغنوشى أو بتخليه عن منصبيه على رأس الحركة أو البرلمان و لكنها بالمقابل تتعامل بحذر شديد مع مستجدات الوضع و أهمها تقرير محكمة المحاسبات الذي سيكون الأرضية القانونية لحلّ الحركة و الانتقال إلى محاسبة رموزها قضائيا من أجل تهم نهب المال العام و تمويل و ممارسة الإرهاب و تسفير التونسيين إلى بؤر الإرهاب و فتح ملفي الاغتيالات و الجهاز السري إضافة إلى التخابر و التآمر على تونس بمساعدة جهات أجنبية.
ديلو يضمر عكس ما يقول
لقد بات جليّا أن الأستاذ سمير ديلو و من يقفون معه نفس الموقف المنافق يضمر عكس ما يقول و أنه يمارس شكلا من أشكال التضليل “البصري” المفضوح وصولا إلى أهداف رسمها الشيخ راشد الغنوشى للتخلص من تبعات تقرير محكمة المحاسبات و ما يضمره الرئيس قيس سعيد لهذا الحزب الذي يتحمل مسؤولية الخراب الحاصل طيلة عشرية كاملة على كل المستويات.
إن إصرار الأستاذ ديلو على التفاعل مع حراك بعض الموتورين و مع بعض النواب المجمدين يأتي فئ نطاق سعى حركة الإخوان إلى تقسيم الرأي العام و بث الفوضى و جرّ البلاد إلى مستنقع الحرب الأهلية التي ترى فيها الحركة السبيل الوحيدة للإفلات من المحاسبة و العقاب.
لا يمكن الثقة في سمير ديلو و لا في تصريحاته الأخيرة و لا يمكن نسيان أنه سبق لنورالدين البحيرى أن استقال من الحركة سنة 1991 لكنه اليوم أول المدافعين عن شيخ الإخوان.
* كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك