عرفت نهاية الأسبوع الحالي تصعيدًا جليّا في لهجة الإدارة الامريكية تجاه الوضع السياسي والدستوري القائم في تونس بعد الإجراءات الاستثنائية المعلنة في 25 جويلية الفارط من قبل الرئيس قيس سعيّد وهو ما ينذر بتطورات هامة في الفترة القادمة. يمكننا القول اليوم أن المعركة الخارجية بين الرئيس سعيّد وخصومه السياسيين لم تُكلّل بنفس النجاح والحسم البيّن على مستوى الجبهة الداخلية. فقد تمكّن حزب حركة النهضة ومن لف لفها طيلة ال 75 يوم الماضية من التحرك بكل حرية على مستوى التمثيليات الديبلوماسية والبعثات الأجنبية في محاولة للإنتزاع موقف أو حتى مجرد مساندة ضمنية لمنظومة 24 جويلية.
بقلم طه عبد القادر العلوش *
في هذا المضمار وضعت حركة النهضة كل إمكانيتها البشرية واللوجستية وحتى المالية منها لتحقيق هذا الهدف ولعّل عقود اللوبينغ المكتشفة حديثا والممولة أجنبيا قد بدأت تأتي أكلها سواء على مستوى موقف الإدارة الأمريكية وبالتحديد وزارة الخارجية الأمريكية أو على نطاق السلطة التشريعية أي الكونغرس الأمريكي بغرفتيه المتمثلة في مجلس النواب ومجلس الشيوخ.
إن الاستقواء بالأجنبي في صراع داخلي بحت والتمسح على أعتاب سفاراته من قبل الحزب المهيمن على البرلمان سابقا يعتبر بكل المقاييس خيانة عظمى للوطن ولكل من أعطى دمائه الزكية في سبيل سيادة واستقلال القرار التونسي عبر التاريخ.
على طاولة الكونغرس الأمريكي أصبحنا ملفا
في اعتداء صارخ على السيادة الوطنية وتدخل سافر في الشأن الداخلي التونسي تعتزم لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي عقد جلسة استماع ستخصص لدراسة الأوضاع في تونس وذلك يوم الخميس 14 أكتوبر القادم وهي الجلسة الأولى من نوعها منذ إعلان رئيس الجمهورية قيس سعيد لإجراءات يوم 25 جويلية 2021 و التي قام بمقتضاها بتفعيل الفصل 80 من الدستور و تجميد أعمال البرلمان.
وسوف تعقد جلسة الاستماع هذه بضغط من الديموقراطيين وعلى رأسهم السيناتور كريس ميرفي المقرب من حركة النهضة و الإخوان المسلمين عموما و الذي زار تونس مؤخرا والتقى الرئيس قيس سعيد بقصر قرطاج.
وللتذكير فقد زار السيناتور كريس ميرفي والسيناتور جون أوسوف (كلاهما من الحزب الديمقراطي) رفقت وفد من الكونغرس تونس يومي 4 و5 سبتمبر. حيث التقى أعضاء الوفد بالرئيس قيس سعيد في قصر قرطاج في اجتماع مطول أكد خلاله السيناتور ميرفي والسيناتور أوسوف وقوف الولايات المتحدة الى جانب تونس: “الولايات المتحدة الامريكية تشارك الشعب التونسي هدفه المتمثل في حكومة ديمقراطية تستجيب لاحتياجات البلاد في الوقت الذي تكافح فيه أزمات إقتصادية وصحية” لكن في نفس الوقت دعا الوفد الأمريكي رئيس الدولة إلى العودة إلى المسار الديمقراطي واعتماد إصلاحات من خلال عملية شاملة تتضمن مشاركة ممثلي الطيف السياسي التونسي وأعضاء المجتمع المدني وفق تعبيره.
الإدارة الأمريكية تلتحق بالركب…
حيث عبرت الخارجية الأمريكية يوم الخميس 7 أكتوبر الجاري عن قلقها وعن “خيبة أمل” أمام التقارير الأخيرة التي وصلتها من تونس بشأن التعدي على حرية الصحافة و التعبير و محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، و قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس في نقطة إعلامية مساء انفس ليوم : “نشعر بالقلق و بخيبة الأمل و ندعو الحكومة التونسية إلى الإيفاء بتعهداتها”.
كما شدد نيد برايس في النقطة الإعلامية التي عقدتها الخارجية الأمريكية على ضرورة أن تلتزم تونس باحترام حقوق الإنسان وهي الخطوط العامة للدستور التونسي، و قال في هذا السياق: “نحث الرئيس التونسي ورئيسة الحكومة المكلفة السيدة نجلاء بودن على الاستجابة للشعب التونسي الذي يدعو إلى خارطة طريق واضحة للعملية الديمقراطية داعيا في ذات المنحى إلى تشريك المجتمع المدني في هذه العملية الديمقراطية و منه كل الحساسيات السياسية بالطبع” وفق تصريحه.
أمام هذه الهجمة الشرسة على خيارات الشعب التونسي وحقه في تقرير مصيره… على الرئيس سعيّد الانفتاح على كل القوى الوطنية حزبية كانت أو اجتماعية مدنية لتكوين جبهة داخلية متينة و قادرة على التصدي للكل محاولات التأثير في القرار السيادي الوطني… من ناحية أخرى أصبح من الملّح اليوم أيضا المضي في توضيح معالم المرحلة القادمة بتفاصيلها وتواريخها المسقفة وهو ما سيمكننا من طمأنة الشركاء الحقيقين لبلادنا و الفاعلين الاقتصادين في الداخل والخارج.
وفي النهاية عاشت تونس حرة منيعة أبد الدهر
* طبيب وناشط سياسي.
شارك رأيك