في التدوينة التالية الكاتب (وهو رجل دولة مارس الحكم و تحمل أعباءه طويلا) يطالب الرئيس قيس سعيد بالاستماع إلى كل من يريد مساعدة تونس من الداخل و من الخارج و هم كثيرون لأن الوضع في البلاد صعب و معقد و لا يمكن لأي شخص مخهما كان علمه و مهما كان صدقه و مهما كان تفانيه في خدمة الصالح العام أن يتحمل العبء الثقيل لوحده.
بقلم أ.د الصادق شعبان *
كل الرؤساء في كل الديمقراطيات يدرسون كل كلمة و يستشيرون عند كل قرار… كلما ارتفع الإنسان في المقام كلما عظمت أمامه المسؤولية… أصبح يمثل دولة لها إسم و يتكفل بمصير شعب يريد دائما المزيد و الأفضل… أضحى المسؤول مسؤولا فعلا و أصبح الحر الطليق مقيدا… لم يعد من حقه أن يلبس ما يريد… و لا أن يذهب أينما يريد… و لا أن يلتقي بمن يريد… و لا أن يقول ما يريد… و لا أن يقرر ما يريد…
السيد الرئيس… رجاء… تونس في وضع لا يتحمل أي عبء آخر… لا داخلي و لا دولي… بل بالعكس تونس تحتاح إلى من يساعدها من الداخل و نحن مستعدون… و إلى من يساعدها من الخارج و كثيرون مستعدون… حطموها في عشر سنوات… أضاعوا أطفالها في عشر سنوات… شردوا قياداتها السياسية و الإدارية في عشر سنوات… كفى هذا… تونس كانت تسير في أفضل طريق… الأخطاء التي حصلت كانت أخطاء أفراد أما أخطاء العقد الأسود كانت أخطاء نظام… أرجع إلى تونس كيف كانت… و اتبع تقاليد الدولة الوطنية التي تميزت في العالم و حصلت على أعلى المراتب و كانت تتشرف أن تكون التلميذ النجيب… لأن تونس كانت ذلك التلميذ الذي لا يفتخر بثروة أبيه فليس لأبيه ثروة و إنما يفتخر بنجاحه الشخصي… و كان يترقب في كل امتحان ثلاثي ذلك الكلام الجميل الذي يطمئنه و يحثه على مواصلة النجاح…
هؤلاء شركاء لنا جميعا…
وكالات الترقيم لم تكن أبدا ضد تونس… و لا الصناديق المالية… و لا دافوس.. و لا كبار المستثمرين… هؤلاء شركاء لنا جميعا… كل كلمة طيبة منهم تساوى المليارات… و كل كلمة سيئة منهم تكلفنا المليارات… أنظر تطور ثمن الاقتراض و سوف ترى أهمية الترقيم … ذ
الأعداء كنا نعرفهم… رفعوا شعارات و ارتبطوا بمرتزقة و ما زالوا إلى اليوم يتحكمون و يتدخلون و ينتشرون في المحاكم باسم الديمقراطية الكاذبة و الحرية الكاذبة و العدالة الكاذبة… بورقيبة و بن على كانا يستشيران و يستمعان… يعرفان أن قوة تونس هي في علاقاتها و في صداقاتها… رأس مال تونس قليل لكنه صعب امتلاكه : السمعة و حسن القيادة… بورقيبة و بن علي… اكتفي بهؤلاء لأني لم أر من يستحق هذه الصفة بعدهم… و الأمل فيك… قلت بورقيبة و بن علي يميزان فعلا بين الصديق و بين العدو… بين المواقف التي تظهر السيادة و بين المواقف التي تخلف الذل… أنت لا ينقصك شيء عنها… نظافة يدك و صدق وطنيتك تؤهلك للسير في الطريق الحسن…
كل خطأ في هذه المرحلة يكلفنا الكثير
نحن الآن في منتصف الطريق… العودة قاتلة و الوقوف فتّاك… كل التونسيين يريدون الوضوح… كل العالم ينتظر الوضوح… هم شركاء و الشريك يريد أن يتعرف على شريكه و أن يطمئن إليه… لا سير بدون نور… لا سير بدون معالم على الطريق… تسيير دولة أمر معقد… و حمل ثقيل… و كل خطأ في هذه المرحلة يكلفنا الكثير… لا المال فقط… إنما الأمن و الاستقرار الذين هما أثمن مكسب مكننا من بناء المجتمع و بناء الاقتصاد على مدى خمسين سنة…
“الشعب يريد” … نعم الشعب يريد… لا يمكنه إلا أن يريد… الشعب يريد الكثير… يريد الكل… لكن الشعب لا يحقق شيئا ما لم تكن له قيادة تعرف كيف تحقق له ما يريد… و هنا المشكلة، و هذا هو لب السياسة… كيف نرتب الأولويات و نوفر التمويل… كيف نختار بين زخم الطلبات و كيف نحسن إدارة المتناقضات… إنه علم كامل… هياكل و إجراءات… مجالس و إدارات و أحزاب و منظمات و لوبيات… و أنت خير العارفين… من Easton إلى Powell إلى Dahl…
سيدي الرئيس… أخي و صديقي… تونس أمانة… و العبء ثقيل… و كما تقول أنت : التاريخ يسجل…
* أستاذ جامعي و ووزير سابق.
شارك رأيك