تم الإعلان أميس الإثنين 11 ديسمبر 2021 عن التشكيلة الحكومية و انتهت لحظات المخاض و الانتظار الممل و تنفس البعض الصعداء فى حين يستعد البعض لشحذ السكاكين “لاغتيال” هذه التشكيلة إعلاميا، ليبقى السؤال أو لنقل الأسئلة التي تستحق الإجابة كثيرة و مختلفة لكن المهم أن الرئيس قيس سعيد قد نفذ وعده بتشكيل حكومة يرأسها فعليا و تكون فيها السيدة نجلاء بودن رمضان مجرد منفذة لتعليماته و سياساته.
بقلم أحمد الحباسى *
في حقيقة الأمر هذه حكومة الرئيس و هذه إحدى مفاجآت ما بعد قرارات ليلة 25 جويلية و لا بد من الإشارة أن هذه الحكومة قد ولدت من رحم الانتفاضة الشعبية التي حصلت خلال ذلك اليوم و على هذا الأساس يسعى الرئيس أن تكون حكومة “الشعب يريد” التي ستقاوم الفساد في المقام الأول و تعيد البلاد إلى سكة الإنتاج و رفع المعاناة الاقتصادية على أكثر من صعيد.
فشل القيادات المحنكة التي استمرت في الحكم طيلة أكثر من عشرة سنوات
لعل أول الملاحظات الشكلية أن حكومة الرئيس تتكون من شخصيات غير معروفة أو لم يسبق لها التحزب أو الانخراط في اللعبة السياسية قبل و بعد 14 جانفى 2011، و إذا كان خصوم الرئيس يجادلون بقلة خبرتها و معرفتها بكيفية التعامل مع الملفات التي تنتظرها على أكثر من واجهة فان أصدقاء الرئيس يردون بأن فشل القيادات المحنكة التي استمرت في الحكم طيلة أكثر من عشرة سنوات هي من أدت بالبلاد إلى شبح الإفلاس و جعلتها دولة متسولة لبعض جرعات اللقاحات المضادة لفيروس الكورونا بعد أن أدى إفلاس خطة حكومة هشام المشيشى فى تجنب وفاة الآلاف من المواطنين الأبرياء الذين خانتهم سياسة حكومة يديرها الشيخ راشد الغنوشى من وراء الستار بمعية قلب تونس و ائتلاف الكرامة.
ثاني الملاحظات أن حجم الحضور النسائي في حكومة “الشعب يريد” يشكل بالنسبة لكل الملاحظين قفزة نوعية نحو مساواة حقيقية تحدث لأول مرة في تاريخ تكوين الحكومات منذ الاستقلال الأمر الذي جعل البعض يقولون أنها سابقة و رسالة موجهة للداخل و الخارج مفادها أن الرئيس مصمم على المضي قدما في سياسة التحديث و الحداثة و القطع نهائيا مع الفكر القروسطى الذي تمثله حركة النهضة و كل التشكيلات الحكومية التي كانت تفرضها. كما ضمت الحكومة وزراء شبابا من ذوى الكفاءات العلمية لكنهم يفتقرون إلى عنصر التجربة السياسية مما قد يعرضهم أو يعرض بعضهم ممن لهم مناصب لها علاقة بالمفاوضات الاجتماعية أو بالملفات الحارقة مثل إصلاح التعليم و التصدي لفساد اللوبيات المهيمنة على قطاعات مثل الفسفاط و النقل و الصحة إلى امتحانات عسيرة أمام معارضة إسلامية يسارية متكتلة للإطاحة بكل ما نتج عن قرارات ليلة 25 جويلية من مخرجات اعتبرتها انقلابا.
معارضة إسلامية يسارية متكتلة للإطاحة بكل ما نتج عن قرارات ليلة 25 جويلية
إذا كانت الألسنة الهجينة لبعض الشخصيات مثل حمة الهمامى و جوهر بن مبارك و الصافي سعيد تلتقي مع عنف خطاب قيادات النهضة التي فاجأها مخاض ليلة 25 جويلية لتلوث بصيحات الاستهجان مثل هذه القرارات الرئاسية و ما نتج عنها من سقوط الصنم الكبير في مجلس نواب الشعب الذي تحول بفعل رئيسه إلى دكان تباع فيه ممتلكات الشعب و سيادة الدولة فالثابت أن تعيين قائمة حكومة الرئيس قد أسقطت ما تبقى من أحلام اليقظة التي جعلت هذه الشرذمة الضالة تستقوي بالقوى الأجنبية و تهدد بحرق البلاد و تقسيم الشارع و دفع البلاد إلى حافة الحرب الأهلية كل ذلك خدمة لدول متآمرة سخرت قوتها المالية النفطية لضرب كل مقومات الدولة التونسية.
لقد بنت حركة النهضة سياسة حكمها على المصالح المتبادلة بينها و بين بعض الأحزاب المتآمرة مثل قلب تونس بحيث وفرت الحماية القضائية لرئيس حزب “المقرونة” أو حزب اللصوص و مع ذلك تمكن الرئيس بلعبة دستورية بهلوانية من وضع هؤلاء المرتزقة في الزاوية و كشف غدرهم و انخراطهم في لعبة التخابر مع جهات أجنبية لضرب السيادة التونسية و مقومات الاستقلال الذي لم يعترفوا به أصلا منذ رحيل القوات الاستعمارية من تونس.
إستراتيجية واضحة قريبة المدى تقوم على مقاومة الفساد و إرجاع ثقة المواطن
كان واضحا من كلمة رئيسة الحكومة المكلفة أن تونس قد دخلت عهدا جديدا قوامه صياغة إستراتيجية واضحة قريبة المدى تقوم على مقاومة الفساد و إرجاع ثقة المواطن المهتزة في كافة مؤسسات الدولة كما أنه من الواضح أن مفردات كلمة السيدة نجلاء بودن قد تمت مراجعتها عديد المرات مع الرئيس و تم اختيارها بعناية فائقة لتؤكد أن الحكومة تتطلع إلى بناء تونس جديدة لا سيادة فيها إلا للشعب.
من الواضح أيضا أن تشكيل الحكومة و هندستها قد خضعت لعدة معايير من بينها قدرة الوزراء على سرعة التفكير و ابتكار الحلول و التعجيل بالانجاز بحيث يمكن تسمية هذه الحكومة بحكومة الإقلاع و الانتقال بالوضع الاقتصادي من وضع متردي إلى وضع قادر على جلب الاستثمارات الأجنبية بحيث يمكن القول أن الإتيان بوزراء هذه الحكومة مع ما يحملونه من مواصفات سيتيح لهم القطع مع الأساليب التقليدية في تدبير الشأن العام و عدم القدرة على تحمل المسؤولية.
* كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك