شعرت اليوم من جديد مع تعيين رئيسة الحكومة نجلاء بودن من طرف رئيس الجمهورية قيس سعيد باختلاف تونس ولو قليلا عن الدول العربية في أعرافها السياسية. وأحسست أنّ هناك إشارات أعطتها تركيبة الحكومة بعودة الأمل للخروج من المأزق الذي وقعنا فيه ومن دائرة الرياح الفوضوية التي هبّت على البلاد طيلة عشر سنوات.
بقلم محسن بن عيسى*
لقد كنا نعلم مع غيرنا – ربما بحكم عملنا في أجهزة الدولة – أنّ تونس تمتلك الأدوات الرئيسية لإقرار الدولة المدنية وتكريس مبادئ الديمقراطية، ولكن لأسباب عديدة لم نمارسها فعليا. واعتقادي أنّ الأزمات السياسية والقضايا الاقتصادية عكست في الواقع مدى عمق الأزمة الأخلاقية التي تعاني منها الطبقة السياسية. لقد تسبّبت هذه النخب وافتعلت تحت مسمّيات مختلفة الأزمات وأغرقت البلاد في متاهات الصراعات، وتصفية الحسابات الشخصية المَقيتة، وإثارة النعرات القبلية والجهوية وانتقلت بذلك إلى الشارع مع تجاوز مقتضيات المصلحة الوطنية وانتهاك القانون.
إعادة الاحترام في المؤسسات والانضباط للشارع التونسي
لست من أصحاب المشاريع الإصلاحية العريضة والشاملة كما نسمع، ولكني أجد نفسي بتواضع مع توجّه إعادة بناء الثقة بين الدولة ومؤسساتها والشعب. فالمواطن لا يمكن أن يكون إلا خلاصة لممارسات وتجربة وخبرة ووعي رجال ونساء هذه المؤسسات التنفيذية الرّسمية.
لقد علا سقف المطالب الشعبية علوًّا كبيرا لتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وطبيعي أن يكون للمالية العامة أهمية في حياة الدولة وفي هذه المرحلة الصعبة لدينا، ولكن هناك أولوية للتركيز على المؤسسات التي تقيم سيادة القانون لتطهيرها من المفسدين والدخلاء والمجرمين. وإذا أرادت الحكومة الجديدة أن تنجح وتتواصل مع المواطنين فعليها أن تتّخذ حلولا عاجلة لإعادة الاحترام في المؤسسات والانضباط للشارع التونسي.
سقوط الأقنعة بعد تجربة العشرية المريرة
لا شك أنّ البلاد اليوم بعد تجربة العشرية المريرة وسقوط الأقنعة، أصبحت مهيّأة لإصلاحات جوهرية. والحوار في هذه المرحلة مفتاح بالغ الأهمية، وبالطبع لن يصح في أجواء يسودها ضعف وتشنّج الخطاب السياسي والثقافي والإعلامي.
لذلك لست مع الرأي القائل بأنّ الاستبداد هو ما يناسب عاداتنا وتقاليدنا. فتونس رغم الهزّات والمناورات والخيانات جديرة بأن تتبنّى إدارة جديدة للبلاد لعلها تكون نموذجية في البناء السياسي وتدبير الشأن العام.
* ضابط سابق في سلك الحرس الوطني.
شارك رأيك