وإن كانت كل الدول والحكومات حرّة في إبداء مواقفها السياسية إزاء الأحداث المستجدة على الساحة الدولية… إلّا إن التدخل في الشأن الداخلي الوطني التونسي و محاولات الاصطفاف المبطنة أو العلانية مع جهة داخلية ما على حساب أخرى عبر إملاء ما يجب أو لا يجب علينا فعله كشعب تونسي فهذا خط أحمر لا نسمح بتجاوزه أبدا…
بقلم طه عبد القادر العلوش *
على إثر قرار تأجيل عقد قمة الفرنكوفونية الثامنة عشرة هذا العام في تونس وتحديداً بجزيرة الأحلام جربة للسنة الموالية. ذهب أغلب المراقبين والخبراء الدبلوماسيين لتبرير ذلك بتأخر الاستعدادات اللوجستية لبلادنا نتيجة الوضع الوبائي والصحي الصعب الذي لم ينفرج إلا مؤخرا. غير أن الأسباب الحقيقية بدأت تطفو على السطح تباعاً كما نقلها وأفصح عنها الصحفي الكندي إتيان فورتين غوتييه في تغريدة نقلاً عن مصدر في ديوان وزير الخارجية الكندي بالحكومة الفيدرالية مارك غارنو والتي تتعلق إلى حد كبير بالوضعية السياسية والدستورية القائمة في تونس بعد الإجراءات الاستثنائية المعلنة من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد في 25 جويلية و 22 سبتمبر الفارطين.
الشعب التونسي كسائر شعوب العالم له الحق في تقرير مصيره
في هذا المضمار وأمام خيار الدبلوماسية التونسية بعدم الرد وإيثار الصمت على هذا التعدي السافر على سيادتنا وإستقلال قرارنا الوطني… أجد نفسي كمواطن تونسي مجبراً على توجيه هذه الرسالة المفتوحة للشعب الكندي الصديق ولممثليه تزامناً مع احتفالنا بعيد الجلاء.
تحية سلام أما بعد،
مع كل الإحترام و التقدير للأصدقاء في الحكومة الفيدرالية الكندية إلا أنه وجب التنويه : وإن كانت كل الدول والحكومات حرّة في إبداء مواقفها السياسية إزاء الأحداث المستجدة على الساحة الدولية… إلّا إن التدخل في الشأن الداخلي الوطني التونسي و محاولات الاصطفاف المبطنة أو العلانية مع جهة داخلية ما على حساب أخرى عبر إملاء ما يجب أو لا يجب علينا فعله كشعب تونسي فهذا خط أحمر لا نسمح بتجاوزه أبدا… الشعب التونسي كسائر شعوب العالم له الحق في تقرير مصيره طبعا عبر الآليات الديمقراطية المتعارف عليها دوليا والتي سوف تأتيكم مواعيدها و نتائجها تباعًا ليس لكم فحسب بل لكل المنتظم الأممي… فالجمهورية التونسية دولة حرة ذات سيادة تحترم النواميس و المعاهدات الدولية و تحتكم للقانون و للمؤسسات دون أن يمنعها ذلك من الاحتفاظ بحقها الشرعي والمكفول في ادارة أوضاعها الداخلية بنفسها و دون وصاية من أحد… فهذا الحق لم يمنح لنا في إطار هبة أو مّنة في طبق ذهبي من بعض الأصدقاء بل انتزع بعد صراع مرير مع الاستعمار والفكر الاستعماري السائد حينها على امتداد سنوات من المقاومة والتحرير … راح ضحيتها عشرات الآلاف من الشهداء الأبرار… وكانت آخر محطاتها معركة الجلاء ببنزرت (إخراج آخر جندي فرنسي من الأراضي التونسية يوم 15 أكتوبر 1963) و التي نحيي اليوم ذكراها ال 58.
قد نتعثر في أحيان عديدة لكننا نتعلم ونراكم التجارب
من جانب آخر إن علاقة الودّ والصداقة الحقيقية تبنى على أسس الندية في التعامل البيني وهو ما يسمح حقا بتقبل النصائح وتفهم الهواجس التي تشغل سواء الصديق أو الشقيق غير أن هذا الإطار السامي من العلاقة المنشودة لا يمكن أن يؤدي المعنى أو يثمر المبتغى في ظّل مناخات المقايضة والمساومة والترهيب المتصاعد مؤخرا… أرجو التعقل في فهم الواقع… ثم مراجعة نبرة خطاب النصح فتصويب المواقف.
في المحصلة نحن كأمة تونسية نسعى إلى إعلاء قيم الديموقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية ومنه نرنو للوصول إلى مجتمع القانون والازدهار والتقدم… صحيح قد نتعثر في أحيان عديدة لكننا نتعلم ونراكم التجارب… اليوم بدأنا نتحسس الطريق ونبصر النور في أخر النفق… دربنا لايزال طويلاً ووعراً… فلا تُعَسِّيروا علينا الوثاق أكثر.
دمتم سالمين.
عاشت تونس حرة منيعة أبد الدهر.
*طبيب وناشط سياسي.
شارك رأيك