الكاتب يوجه من خلال هذا النص نداءا وطنيا إصلاحيا إلى كلّ الوطنيين التونسيين حول ثالوث الوطنية و الاجتماعية و الديمقراطية في تونس اليوم. و من أجل إنقاذ تونس من الأزمة الحالية بعيدا عن المحاور مهما كانت.
بقلم مصطفي العلوي
تخفيض تصنيف ‘موديز’ وارتباطه ببرنامج فرض سياسة مالية أكثر تدميرا على تونس، و تأجيل ‘القمة الفرنكفونية’ مع ما صاحبه من تصريحات رسمية كندية وأخرى غير رسمية فرنسية، وتدخل الكونجرس الأمريكي في الشأن التونسي وإشاراته الخاصة إلى احتمال اتساع التأثير الصيني عندنا و إلى “معاداة تونس لإسرائيل واليهود” و إلى علاقة تونس بالمقاومة الفلسطينية (ذكر محمد الوزاري و حماس) وإلى دور النقابات اليساري الاجتماعي المعرقل لليبيرالية، واستعدادات البرلمان الأوروبي للنقاش حول تونس هذا الأسبوع في ظل تحريض ناشطين تونسيين وأوروبيين (منهم نواب أوروبيون) يستدعون تدخل القوى الدولية وضغطها علينا، كلّها مؤشرات حول سعي القوى الدولية السياسية و المالية إلى فرض أجندتها على البلاد أّكّدها وبكل وضوح تصريح الرئيس الجزائري الأخير حول تونس وأشار الى عدائها للمصالح السيادية التونسية باسم ‘الدفاع عن الديمقراطية’.
أفضل طريقة لإخراج تونس من أزمتها بأقل الأضرار
كل تونسي، وإن اختلف وحتى إن عارض 25 جويلية باسم الديمقراطية، عليه الآن أن يعتمد القلب الوطني في الرياح السيئة الدولية ويعدّل بوصلته السياسية كما يلي :
كل إسلامي وطني وكل ليبيرالي وطني وكل عروبي وطني وكل يساري وطني وكل ناشط نقابي أو جمعياتي وطني وكل إنسان وطني يؤمن ولو بحدّ أدنى من الوطنية الإصلاحية عليه أن يعيد تقييم مقياس تموقعه الحالي حتى لا يكون معول هدم لبلده ومعول تجويع لشعبه باسم شكل معين من الديمقراطية ‘شبه الليبيرالية’ بعيدا عن النزعات الاسلامية و الليبيرالية و العروبية واليسارية والنقابية والجمعياتية المشبوهة موضوعيا وان سلمت النيّة، دون أن يعني ذلك إعطاء صكّ على بياض لرئيس الجمهورية الذي عليه هو نفسه أن يعي أنه لا يحتكر وحده الصفة الوطنية ولا الصفة ‘الديمقراطية الحقيقية’ و انّه لا يمثل وحده الإرادة الشعبية وأنه لن ينجح في ما ينويه في مسعاه الإصلاحي المقاوم للفساد بالتضييق على الحرّية وبقرارات فردية بل بمقاربة تشاركية نخبوية و حزبية ومنظماتية و جمعياتية و ‘شبابية وشعبية’، و لكن وطنية، في الوقت نفسه، وإلا فانّه سيفشل في مسعاه ذلك أمام الضغوط الداخلية و الخارجية.
كتلة تاريخية وطنية اجتماعية ديمقراطية
إن أفضل طريقة تخرج تونس بأقل الأضرار من الوضعية الداخلية و الاقليمية والدولية الحالية – والتي هي نتيجة تراكم عقود من السياسات الخارجية و الداخلية آخرها عقد العشرية المنقضية – هي القيام بتسوية تاريخية تنجزها كتلة تاريخية وطنية اجتماعية ديمقراطية يلتحق بها كل من يؤمن بالوطن والشعب و الديمقراطية أفرادا وأحزابا ومنظمات وجمعيات من كل المرجعيات الفكرية السياسية للالتقاء على أرضية وطنية إصلاحية دنيا تحافظ على المكتسب الموجود وتبدأ في صنع الأمل المنشود الذي قد لا تنجزه حتى أقرب الأجيال المستقبلية إن ساءت الأوضاع ولم تعرف الأجيال الحالية كيف تحمي البلاد من أعدائها المحيطين ومن أبنائها المجانين وتوحّد على حدّ أدنى الوطنيين من النخب و القوى الحالية على مبادئ وطنية اجتماعية ديمقراطية اصلاحية كبرى أهمها :
1- الحفاظ ما أمكن على السيادة الوطنية بعيدا عن المحاور الإقليمية و الدولية عبر ربط العلاقات المتوازنة مع الجميع دون اصطفاف من ناحية و عبر تجنب مغامرة الوقوع في العزلة الدولية من ناحية ثانية.
2- الحفاظ على المكاسب الاجتماعية والقطاعات العمومية وشبه العمومية وإصلاحها وتفعيل ما اتفق عليه من سياسة اجتماعية تضامنية وتشاركية مع مواصلة لعب الدولة دورها الاجتماعي كقاطرة للسياسات التنموية.
3-الحفاظ على المكاسب الديمقراطية و الحريات الجماعية و الفردية و تطويرها في إطار دستوري وقانوني يتم إصلاحه تشاركيا والتوفيق بين شكلية الديمقراطية الدستورية دون شكلانية ومضمونيتها الشعبية دون شعبوية.
ولكن هذه ليست ثوريّة في بلد عرف ثورة الشغل و الحرية و الكرامة الوطنية؟
نعم، إنها إصلاحية تأمل أن تكون تقدّمية في ظروف استثنائية تتطلب أن يكون الإنسان إصلاحيا ناجعا أفضل من أن يكون ثوريّا فاشلا لأن الإصلاح نفسه أصبح موضوعيا إنجازا ثوريّا بسبب احتمال الخراب المحدق من الجهات الستّ وإلحاحية المهمة الانقاذية.
شارك رأيك