السلوك السياسي الغريب و المقرف للرئيس المؤقت السابق المنصف المرزوقي يثير كثيرا من الاشمئزاز لدى عدد كبير من التونسيين و لكن ذلك لا يبرر بأي حال من الأحوال خطابات التخوين كانت تتولى مهمتها جريدة “الحدث” قبل سنة 2011؟
بقلم ياسين فرحاتي *
“كانت قناة الجزيرة إلى عهد قريب تمثل متنفسا بالنسبة للشعب التونسي و خصوصا لطيف كبير من المعارضة المغتربة من أمثال الدكتور محمد المنصف المرزوقي و كذلك رئيس حركة النهضة راشد الخريجي الغنوشي و سهام بن سدرين رئيسة المرصد الوطني للحريات سابقا و آخرين معارضين لنظام زين العابدين بن علي.
كانت القناة القطرية تعتبر بمثابة الرئة التي يتنفس بها التونسيون. و كان لها دور في إنجاح الثورة التونسية المجيدة حيث واكبتها عن بعد بكل تفاصيلها منذ تفجيرها في 17 ديسمبر 2010 إلى هروب رئيس الجمهورية في 14 جانفي 2011 . لكن فيما بعد خفت بريقها بشكل نوعي فالتجأت الحكومة القطرية إلى إنشاء قناة جديدة هي التلفزيون العربي في محاولة منها لإحداث توازن جديد حتى تبقى قطر قاطرة للإعلام العربي و للدفاع عن منظومة حقوق الإنسان في وجه ما يسميه النظام القطري بالطغاة و الدكتاتوريين و المستبدين و ذراعها القوية هي شبكة قنواتها التلفزية رغم أن الدوحة لا تتميز باحترامها للديمقراطية و لا للتعددية الحزبية و لا لحرية التعبير و قد شهدت أول انتخابات لمجلس خلال شهر أكتوبر من هذا العام و لم تكن تلك الانتخابات تحترم أبسط القواعد الديمقراطية.
كما لعبت صحيفة “لوموند” الذايعة الصيت عالميا و “منظمة مراسلون بلا حدود” و رئيسها السابق روبار مينار و أيضا صحيفة “الجرأة” L’audace للتونسي الراحل سليم بقة دورا كبيرا في التعريف بالرئيس المرزوقي و لكن الأخير تنكر له عندما أصبح رئيسا و هو ما صرح به مدير جريدة الجرأة للتلفزيون التونسي بعد الثورة.
قطيعة بين المرزوقي و أغلب وسائل الإعلام التونسية
و السؤال الذي يطرح إلى اليوم، لماذا يواصل الرئيس الأسبق إساءة معاملة وسائل الإعلام العمومي و الخاص على حد السواء؟ وهل لا يزال الإعلام الأجنبي الحل الوحيد و الأمثل له؟ و هل يطمح إلى الإطاحة بالنظام الجديد عبر التحريض من الخارج؟ و ألا يخشى المرزوقي على سمعته من التآكل أم أنه سيظل مدافعا شرسا كما عرفناه عن حقوق الإنسان؟
في الحقيقة ثمة شبه قطيعة بين الدكتور المرزوقي و أغلب وسائل الإعلام التونسية حتى التلفزيون الرسمي و حتى حوارات نادرة جدا، بحيث قلما يظهر على قناة في استضافة مقدم أو مذيع يرى هو فيه شيء من النزاهة أو الموضوعية. شخصيا رأيته مرة واحدة منذ تخليه عن الرئاسة في ضيافة المحاورة سماح مفتاح على قناة قرطاج +.
هو غاضب عن الإعلام التونسي الذي يرى فيه هو و آخرون إعلاما نوفمبريا و حتى لا يزال يسمونه بإعلام العار. لومه على القنوات الخاصة قد يكون في محله لأن المقدم حمزة البلومي من قناة الحوار التونسي وهو الذي تعود على تقديم تحقيقات في إطار ما يسمى حديثا جدا بإعلام الإستقصاء قد أثر سلبا على سباق المنافسة في انتخابات سنة 2014، بينه و بين الرئيس الراحل الباجي قايد السيسي عندما قدم معلومات مضللة و مغلوطة بغرض تشويه سمعة الرئيس المرزوقي حتى يسقط في تلك الانتخابات و بالفعل سقط لكن تبين في الأخير أن التحقيق كان محض افتراء و كذب و بهتان و زور.
هذا مفهوم لكن ماهو غير مقبول في اعتقادي هو اعتقاد السيد المرزوقي أن هذا الإعلام لا يمكن أن يتغير و رفضه مواجهته من الداخل و محاولة تغييره و رفضه أيضا تغيير سلوكه هو أيضا لأنه مثقف و له كتابات لا ينشرها إلا على موقع الجزيرة نت.
إن دور المثقف العضوي هو أن يكون منحازا لقضية وطنه و هموم شعبه و أن يواجه ماكينة الإعلام التي يراها هو فاسدة من الداخل مثلما يفعل أسبوعيا البروفيسور أبو يعرب المرزوقي على موقع تدوينات و إن كان هو ذاته مقاطعا لذات منظومة الإعلام و الصحافة الوطنية.
السيد المرزوقي يدرك جيدا أن الأمور تغيرت وهي في تغير مستمر و أن أيام السب و الشتم و النيل من قيمته و من نضاله هو و جماعة أخرى من معارضي نظام بن علي من أمثال محمد عبو و مصطفى بن جعفر و راضية النصراوي ابنة ولاية القصرين في الوسط الغربي التونسي، و التي نتمنى لها الشفاء العاجل و في حوار مع زوجها السياسي المعروف زعيم حزب العمال حمة الهمامي ضمن برنامج “أيام لا تنسى” مع المذيع القدير حبيب جغام قال بأنها تعاني من مرض نادر جدا و أنها تعرضت أثناء رفضها لزيارة أريال شارون لتونس بمناسبة قمة المعلومات لاعتداءات أمنية مروعة الشيء الذي أثر على صحتها كثيرا، لكنها تلقى تعاطفا شعبيا على نطاق واسع حتى من بعض الإسلاميين و الذين يعدون عدوا لدودا الجبهة الشعبية سابقا و لحزب العمال و الراحلة مية الجريبي و محمد كريشان و غيرهم كثير من السياسيين و الحقوقيين و الصحفيين الشرفاء على صفحات جريدة “الحدث” التي تعد من الصحف الصفراء التي كان همها الوحيد الإساءة لكل من يعارض النظام وقتها و قد انتهت و توفي صاحبها عبد العزيز الجريدي بسقوط نظام الفساد و الإستبداد.
أصبح المرزوقي معزولا و يغرد خارج السرب
لكن أن لا يتغير الطبيب المرزوقي نفسه و الحال أن حزبه حزب المؤتمر من أجل الجمهورية قد زال و أصبح أثرا بعد عين و أن رفاقه قد تفرقوا من حوله بحيث أصبح لا يغرد خارج السرب إلا بمفرده و هم أنفسهم قد وجهوا انتقادات حادة لأسلوب حكمه من عبو إلى مستشاره عزيز كريشان إلى ناطقه الرسمي حينذاك منصر.
كل ذلك لا يجب أن يجعل الرئيس الأسبق يتغاضى النظر عن أخطاء و هفواته و زلاته و كما يقال لكل جواد كبوة. هذا الكلام أقوله من باب الحرص و الخوف على مكانة الرجل و هو الحقوقي و الأكاديمي و السياسي المثقف لأن المطلوب هو طي صفحة الماضي فهو قد اعتزل السياسة نهائيا بعد هزيمته في الانتخابات التي أتت بقيس سعيد رئيسا للبلاد من خلال تدوينة فايسبوكية و ها هو اليوم يعود من الباب الكبير بعد أن خرج من النافذة إن جاز لنا التوصيف.
الرئيس المرزوقي يقود هذه الأيام و منذ ما سمي بحركة “25 جويلية التصحيحية” و ما يطلق عليه أنصار النهضة و قلب تونس و المرزوقي نفسه بإنقلاب على الثورة و عودة الدكتاتورية حربا إعلامية بلا هوادة ضد الرئيس الحالي قيس سعيد وصل به إلى حد الدعوة العملية إلى إفشال و إلغاء تنظيم الحكومة التونسية لقمة الفرنكوفونية التي تسعى لإنجاحها على قدم و ساق منذ أشهر قليلة على أرض جزيرة الأحلام مدينة جربة، و السؤال المحير هنا هو أن الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي ضد اللغة الفرنسية و يدعو إلى التخلي عليها كلغة ثانية مثلما تفعل دولة الجزائر الشقيقة وهو الذي لا يحلو له التهجم على النظام التونسي الراهن إلا من فرنسا، أم أنه لا تعنيه الفرنسية بحد ذاتها بقدر ما يهمه موقف فرنسي و أوروبي ضاغط على الأستاذ سعيد لأنه يرى فيه فاقدا للشرعية و كأنه يريد أن يقول لنا ما بني على باطل فهو باطل و أنه لا مفر من استعادة الديمقراطية المغتصبة.
هذا الموقف يذكرني إلى حد ما بموقف المعارضة العراقية المقدمة في واشنطن و لندن و غيرها من العواصم الغربية، عندما طرح سؤال على أحد أبرز قادتها هل أنتم مستعدون للتعاون مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السي أي أي للإطاحة بالقيادة العراقية و على رأسها صدام حسين أجاب بنعم.
محصلة أنشطة و تحركات المرزوقي في الخارج و التي دافع عنها بكل اقتناع و جرأة معهودين لديه لكنها أثارت استياء جانب كبير من الرأي العام التونسي و طبعا خصمه الجديد الرئيس سعيد الذي الذي لم يفوت الفرصة في أول اجتماع لمجلس الوزراء للحكومة الجديدة المكونة من 24 وزيرا عشرة منهم نساء من ضمنهم رئيسة الحكومة الأستاذة الجامعية في اختصاص الجيولوجيا و التي تولت مناصب إدارية رفيعة صلب وزارة التعليم العالي و على علاقة بالبنك الدولي من بعض النواحي نجلاء بودن حرم رمضان أصيلة مدينة القيروان.
هذه الحكومة كما سمتها يومية “الشروق” حكومة الأمل و العمل. هذا و قد دعا السيد رئيس الدولة وزيرة العدل الجديدة إلى فتح بحث قضائي في خصوص تصريحات المرزوقي وهو ما وصف بالتمرد على الدولة التونسية، هذا إضافة إلى سحب جواز السفر الدبلوماسي منه و من أمثاله و البقية قد تأتي تباعا و مع تطور الأحداث لأن السيد المرزوقي لن يصمت بكل تأكيد و لن يهنىء له بال حتى يحدث زوبعة في البلاد.
النبرة الحادة جدا و التي خاطب بها الرئيس سعيد الرئيس الأسبق المرزوقي قد تضعه هو و أمثاله في زمرة الخونة و العملاء للخارج و هو خطاب سياسي يذكرنا تماما بما كان يحدث أيام حكم زين العابدين و جريدة الحدث.
الرئيس المرزوقي أساء فهم السياسة و تاه في دهاليزها
في اعتقادي، أننا دخلنا في مرحلة سجال سياسي جديد هذا إذا أضفنا إليه إدراج الكونجرس الأمريكي على جدول أعماله ما يجري في بلادنا من قرارات و تدابير استثنائية عقبت ليلة 25 جويلية، و هو أمر يبدو أن البيت الأبيض غير راض عنها كما الرئيس سعيد نفسه استدعى الأسبوع السفير الأمريكي بتونس دونالد بلوم و عبر له عن استياء القيادة التونسية من هكذا سلوك سياسي يمس بالسيادة الوطنية و قد يمس بالمصلحة المشتركة للبلدين إذا ما انحازت حكومة البيت الأبيض و مشرعوها ضد مصالح الشعب التونسي و الذي يجب التأكيد إلى أنه غي غالبيته مساند للرئيس إذا لم يحدث عن المسار الذي رسمه و يدافع عليه في كل مرة في ما يراه هو خدمة للشعب و إرساء لديمقراطية حقيقية و ليس شكلية.
من الجدير الإشارة الموقف الجزائري الداعم لتونس و لرئيسها حيث أكد الرئيس عبد المجيد تبون أن استقرار و أمن تونس من أمن و استقرار الجزائر و في قادم الأيام أو الأسابيع سيزور تونس وفد جزائري رفيع المستوى لتوقيع جملة من الإتفاقيات الاقتصادية المجمدة خدمة للصالح الاستراتيجية للبلدين الجارين و الشقيقين في ظل تدهور العلاقات بين الجزائر و المغرب و قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما.
في ختام مقالتنا، أود الإشارة إلى الرئيس الأسبق كانت له تصريحات لافتة و مثيرة للجدل و مواقف صريحة معلنة مثيرة للتوتر و لكنها جزء من شخصيته هو حيث كان داعما و مرحبا بروابط حماية الثورة و مستقبلا لبعض قياداتهم لما كان رئيسا لفترة مؤقتة دامت عامين و كانت تجمعه علاقات وثيقة جدا ببعض الشيوخ.
كان ذات مرة أثار لغطا شعبيا بحديثه عن المرأة المحجبة و المرأة السافرة دون أن يدري أن كلامه ستكون له ردود أفعال مسوية وقتها. كذلك كتابه الأسود عن الإعلاميين و الكتاب و رجال الأعمال و رؤساء الأحزاب و المنظمات و غيرهم الذين كانت تجمعهم علاقات مع نظام الرئيس الراحل إبن علي و هو ربما و هذا الأرجح هو جعل العلاقة بينه و بين قطاع الصحافة و الإعلام في تونس على أسوء حال.
و هو أيضا من عارض بشدة عودة النظام القديم لممارسة النشاط السياسي و كان مع قانون العزل السياسي للتجمعيين و الدساترة الذين عادوا و حكموا مع الرئيس الراحل الباجي قايد السيسي. نصيحتي في شكل مقترح هو لماذا لا ينكب الدكتور المرزوقي على كتابة مذكراته مثلما يفعل كبار زعماء الغرب و البعض من قادة المسلمين على الدكتور مهاتير محمد ؟! و لماذا لا يكون رجل وفاق و يلعب دور المثقف الملهم و الرجل المستنير وهو الذي دعى أحد رفاقه الذي تلاعبت بهم السياسة وهوت بهم في مطبات لا يعلمها إلا الله و ربما و هذا مؤكد خسر الكثير من الهبة اللدنية و أقصد بهذا الكلام زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي ؟! ذلك أن السياسة هي لعبة ماكرة و هي لعب على حبال المتناقضات كما قال العلامة عبد الرحمان بن خلدون و قد يكون الرئيس المرزوقي أساء فهمها و ولوج دهاليزها لكنه لم يعلن بعد فطامه منها نهائيا و إلى الأبد طالما أنه وجد من يستمع إليه و يمنحه مصدحا للخطاب السياسية.
* كاتب من تونس.
شارك رأيك