كل من تسوّل له نفسه الإساءة إلى تونس، مهما علا حجمه وكبر فإنه يكون صغيرا في عين تونس إذا أساء لها وحاول تعطيل العمل فيها بأي شكل من الأشكال، حتى لو كان المسيء بحجم المنصف المرزوقي الطبيب الحقوقي المثقف و الرئيس السابق…
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
لا أكره الدكتور المنصف المرزوقي الرئيس التونسي الأسبق وأحترم مكانته العلمية والحقوقية والثقافية، لكني أعارضه فيما قام به أخيرا من تهكّم على الدولة التونسية ومسارها التصحيحي وإقحام الدول الأجنبية في الشؤون الداخلية لتونس، وطلبه إلغاء أو تأجيل القمة الفرنكوفونية التي كانت ستُعقد في تونس في 20 و 21 نوفمبر الجاري وتحديدا في جزيرة جربة، فمعارضة الإجراءات التي اتخذها السيد قيس سعيّد لا يكون بهذه الطريقة الفجّة التي تسيء إلى تونس من بابها الواسع أكثر مما تُفيد، ولعل للمرزوقي دوافعه الخاصة به للإدلاء بهذه التصريحات التي لا تليق برئيس سابق كان له الشرف أن كان الرئيس الأول بعد الثورة على نظام بن علي الديكتاتوري.
المرزوقي يعاني من انخفاض كبير في شعبيته
وأعتقد أن السيد المرزوقي يعاني من انخفاض كبير في شعبيته بعد أن تعرض للإهانة من حركة النهضة في انتخابات 2014، حيث كان يُعول عليها كثيرا في كسب الأصوات والفوز برئاسة الجمهورية التونسية غير أن رياح الانتخابات جرت بما لم يشتهِ المرزوقي وغيّرت مجراها ومرساها نحو الباجي القايد السبسي فانقلب عليها واتهمها بالخيانة والطعن في الظهر، وها هو اليوم يقع في الوقيعة نفسها ويخون وطنه من أجل مصلحة شخصية من خلال معارضته الشديدة للإجراءات التي اتخذها السيد قيس سعيد أخيرا وأثارت جنونه السياسي ودفعته إلى الطلب من رئاسة الجمهورية الفرنسية عدم التعاون مع الحكومة الجديدة التي عيّنها الرئيس برئاسة السيدة نجلاء بودن واعتبرها حكومة فاشلة وغير شرعية.
هذ التصريحات التي حامت حولها شكوك كثيرة في أن المرزوقي قد يكون فعل ذلك لاستعادة شعبيته التي انهارت كثيرا بعد انتخابات 2014 والتي خسر على إثرها الفوز برئاسة الجمهورية وسببت له مشاكل كثيرة أبرزها المواجهة مع السلطة القائمة في تونس، حيث قررت السلطات التونسية بعد مناشدات شعبية ورسمية سحب الجواز الدبلوماسي منه، ثم إصدار بطاقة اعتقال دولية في حقه تمهيدا لمحاكمته على جرم ارتكبه في حق وطنه، وهذه الخطوة أرى أنها قد تثير الشارع التونسي وخاصة من مناصريه -إن كان له مناصرون- وقد يستغلها الخصوم السياسيون للرئيس قيس سعيّد لإثارة البلبلة السياسية في البلاد وإشاعة الفتنة وتعطيل عمل الحكومة الجديدة الرسمي لذلك على أجهزة الدولة التفطن إلى ذلك، وعدم التصرف باندفاع بل ينبغي أن يكون التصرف بكل حكمة وشجاعة وفطنة وذكاء حتى لا تتدحرج الأمور إلى ما لا يحمد عقباه وهذا ما ينتظره خصوم تونس في الداخل والخارج ويتمنّونه.
الدولة العادلة و المهيبة تطبق القانون على الجميع
وفي الوقت نفسه باتت هذه الخطوة ضرورية لقطع الطريق على كل من تسوّل له نفسه الإساءة إلى تونس، مهما علا حجمه وكبر فإنه يكون صغيرا في عين تونس إذا أساء لها وحاول تعطيل العمل فيها بأي شكل من الأشكال، حتى لو كان المسيء بحجم المنصف المرزوقي الطبيب الحقوقي المثقف، كما أنه يُقوّي هيبة الدولة في تطبيق القانون على الجميع وإرساء لغة العدل والمساواة بين الجميع أمام القانون وهي اللغة التي كان يتحدث بها الرئيس قيس سعيّد ويصرّح بها، فلا أحد فوق القانون حتى لو كان الواقف أمامه بحجم المرزوقي الرئيس الأسبق لتونس.
وفي دولة القانون والديمقراطية يُحاسب الرئيس السابق ويُعاقب على فعل ارتكبه خلال رئاسته أو بعد رئاسته فلا شيء يحصّنه عن وقوفه أمام القضاء إذا ارتكب ما يوجب محاكمته وعقابه وإذا ثبتت عليه الجريمة وجرّمه القانون التونسي، كما أن هذه الخطوة تقوّي أيضا شكيمة الرئيس قيس سعيد في أن الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها غيّرت وجه البلاد وبدأت تأخذ مجراها الطبيعي في السير نحو تطبيق القانون الصارم على الجميع دون استثناء وهي النظرية التي يريد أن يرسخها رئيس الجمهورية في الثقافة التونسية الجديدة.
عاشت تونس دولة ديمقراطية، تطبّق القانون على الجميع على حد سواء، وتحارب الفساد والإساءة بجميع أنواعها وأشكالها، حتى تسترجع الدولة هيبتها التي فقدتها لسنوات. فمحاكمة المرزوقي أضحت ضرورية اليوم لقطع الطريق على أي تونسي يمكن أن يستقوي بالأجنبي لتدمير بلاده أو بث الفرقة والفتنة في ربوعها.
- محلل سياسي.
شارك رأيك