أستاذ التاريخ و الجغرافيا بمعهد ابن رشيق بالزهراء الصحبي بن سلامة هو ضحية عشية اليوم الاثنين 8 نوفمبر 2021 للعنف المادي المباشر بعد تعرضه داخل المعهد الى اعتداء من طرف تلميذ ال15 سنة بواسطة ساطور و سكين أحاله الى الانعاش… امام فضاعة الحادثة، و عن حجم الشحن ضد المعلمين و الاساتذة في وسائل الاعلام، كتب الاستاذ خالد كرونة مساء اليوم ما يلي:
“لا أحد يخلو من المسؤوليّة ..
لا أعرف الأستاذ “الصحبي بن سلامة” .. ولكنّني علمت من زملائه بالمعهد أنه أستاذ شابّ ،، ضامر الجسم، متوثب العقل ، هادئ الطباع ..
لا ريب أنه يحبّ ابنيْه ملء ما يضطرم في قلب أب .. ولا شكّ أنه ما تصوّر يوما أن يتصدّر اسمه أخبار هذا الوطن المثخن ..
علمت أيضا أنه يتجشم كلّ يوم مشقة المجيء من ولاية نابل ليلقي دروسه .. لا شكّ أنّه يدرك تماما خطر التاريخ .. وما زال قول ابن خلدون نصب عينيه .. وربما تمثّل باستمرار قول ماركس : “إن العلم الوحيد الذي نعرفه ونعترف به هو علم التاريخ”..
ما جريمته حتّى يجد نفسه في هذه المحنة ؟
من يضمن تعافيه بعد ما ألمّ به ؟
وعلى فرض تعافي جسده الناحل،، هل يمكن أن نشفي جرحا آخر في الوجدان سيظلّ غائرا إلى الأبد؟
حين دقّ علماء الاجتماع منذ سنوات تعود إلى ما سبق الحدث الديسمبريّ ناقوس الخطر، وألمعوا إلى تزايد مرعب في مؤشرات العنف في الملاعب و في المقاهي و في الخطاب اليومي وفي الوسط المدرسيّ وفي الأحياء الهامشيّة ،، تصامم الجميع ..
حين رأينا بأمّ العين ، أولياء و مربين، باحات المعاهد والإعداديات وما يحفّ بها وقد انقلبت سوقا تروّج فيها سجائر القنّب والأقراص المخدرة التي تملأ عائداتها جيوب أوباش مافيوزيين من المارقين ،، سكتنا .. أو اكتفينا بإظهار الجزع وسكبنا شيئا من عبارات الأسف الكالحة .
حين رأينا حكام العهد ما بعد الجديد ،، خلال العشرية المنصرمة،، يلتفتون إلى كلّ ما يمكن أن يغنموا منه وجاهة أو مالا،، ولم يحرّكوا حجرا في معمار المدرسة ،، لا من حيث القوانين المنظمة ولا من حيث الأهداف ولا من حيث المناهج المقررة، ولا من حيث ما نشأ من حاجيات جديدة للتأطير ،، اكتفينا بالبكاء على المدرسة وذرفنا شيئا من دموع بلا لون على مدرسة المصعد الاجتماعي و اكتفى البعض بطلب الرحمة لمؤسس الجمهورية ..
وحين رأينا بلدا زعم حكامه الجدد أنهم يؤسسون مستقبله الديموقراطي دون أن يلتفتوا إلى أدواء البلد التي تهمنا ( معشر البسطاء) من صحة و عدل و تعليم و نقل ،، واصلنا في بلاهة الانشغال بمعاركهم و بصياحهم و هرجهم و خوذاتهم و أبواقهم و بطونهم المتدلية و”فرفوريهم ” الناصع و سلاطة ألسنتهم و لون أوشامهم السرية ، وظللنا نتسلى بانتفاخ أرصدتهم البنكية
وكذا وجناتهم الوردية ..
اليوم ،، سيحاكمكم ابن رشيق ..
لا ينبغي أن ننسى أبدا ما قدّمنا لهذا الجيل من المتعلمين في الميديا .. لا ينبغي أن نذهل عن منظومة القيم التي كرسها “نجوم” الفضائيّات ،، وأوباش مزابل التلفزيون ..
لا ينبغي أن نغفل لحظة عن حجم الشحن ضدّ الأساتذة و المعلمين في وسائل الإعلام ،، كلّما ضجوا و طالبوا بتحسين ظروف العمل وإصلاح منظومة التربية و “ترقيع” حالهم ..
لا تنسوا ما حصل منذ أيام مع السيدة فاتن بن سلامة ..(المهدية) التي مثلت نموذجا حيّا لتحطيم رمزيّة المعلّم .. نرجو لها السلامة .. ولكنّ القدر كان أعجل إلى الصحبي بن سلامة ..
وماذا نقول لأسرة المراهق ؟؟ وماذا بعد إيقافه ؟ هل ينبغي أن نحاكمها أم ترانا نحن جميعا من يجب أن يُحاكم بتهمة لزوم الخرس لحظة الكلام؟؟…”.
شارك رأيك