ما يحدث في حركة النهضة اليوم أشبه ما يكون بمسرحية من مسرحيات اللامعقول، هناك قيادة تعيش في عصر الكهف و معارضون مهمشون مرتبكون بلا رؤية و أنصار مفتتون لا يملكون قدرهم و لا يعلمون أين سيرسى مركبهم، بين أخوة الأمس هناك تربّص خفىّ و لغة خديعة معلنة و تصريحات مركبة و طعنات في الظهر و من دون أدنى شك هناك قناعة لدى كثير من المتابعين بأن المسرح السياسي لم يعد يسمح بوجود لاعب خبيث مناور ماكر اسمه حركة النهضة.
بقلم أحمد الحباسى *
مع ذلك هناك من يعارض هذا الرأي بالقول أن هناك من لا يزال متشبثا بثوب الغريق و مؤمنا و لو بشيء قليل من القناعة أنه لا يزال هناك أمل أو بصيص أمل بعودة الشيخ راشد الغنوشى و استعادة حركة الإخوان لموقعها القديم على الساحة السياسية.
من هؤلاء الذين نراهم عالقين فى ثوب النهضة الممزق شخوص سياسية أثبتت كل امتحانات السياسة منذ 14 جانفى 2011 فشلها و رسوبها مثل حمة الهمامى و جوهر بن مبارك و الحبيب بوعجيلة و الصافي سعيد و المتحول سياسيا الأستاذ أحمد نجيب الشابى.
سيدي الشيخ يعيش حالة انسلاخ شامل عن الواقع
منذ يومين خرج علينا السيد راشد الخريجى بجملة من التصريحات و المواقف ليكشف الرجل مرة أخرى أنه يعيش حالة انسلاخ شامل عن الواقع و الأحداث و أن ما حدث له أو لحركته من ضربة سياسية موجعة لم يجره إلى إعادة النظر في مواقفه و كيفية تعامله مع التحولات التي تشهدها الساحة السياسية و بالذات مظاهر الغضب الشعبي العارم ضده و ضد حركته المتهمة بشتى أنواع الموبقات و الجرائم و الخطايا.
لم ينتبه الرجل مرة أخرى أو ربما تعمد تجاهل أن حركته قد أخذت طريقها إلى التفكك و الانهيار و أن سلعة بيع الأوهام باسم الدين لم تعد تلقى نفس الرواج و التهليل و التباريك التي كانت تلقاها قبل بعض السنوات و أن هؤلاء المغفلين الذين انطلت عليهم بعض التعاويذ و الشعارات و الطلامس في زمن الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة قد بدؤوا في رحلة استفاقة متصاعدة أكدتها انخفاض نسب التصويت للحركة منذ 2011 إلى الآن.
لقد أعاد شيخ الإخوان نفسه و كرّر المكرّر و “جمّر البايت” كما يقال و اكتفى بختم تلك الأراجيف و المخاتلات اللفظية بافتعال نبرة متفائلة بقرب سقوط “الانقلاب” مبشرا من تبقى من الرعية و الرعاع بقرب عودته الميمونة لكرسي العرش.
سيدي الشيخ يعيش غريبا بين مناصريه و منبوذا من أغلبية الشعب
لقد عاش الشيخ راشد الغنوشى طيلة أكثر من نصف قرن في رحلة تيه أخلاقية و سياسية عدمية غير مسبوقة سقطت لديه خلالها كل صفات الوطنية الفذّة و الانتماء المقدس لهذا الوطن و تاجر فيها بكل القيم و المبادئ و المسلمات و مزق فيها كل أشرعة سفن العودة لحضن الوطن فعاش غريبا حتى بين مناصريه و منبوذا من أغلبية هذا الشعب.
على مر تاريخ تونس لم يشهد مدعى زعامة مثله ما شهده الرجل من مثل هتاف “غنوشى يا سفّاح يا قتال الأرواح” و لم يشهد استبيان رأى ما شهدته الاستبيانات المتتالية منذ سنة 2011 من كونه الشخص الذي يضعه التونسيون في صدارة الأشخاص المنبوذين بحيث لم يكن غريبا أن تلاحقه هتافات “إرحل” حتى عند زيارته لمسقط رأسه و آهات و أنين عائلات الشهداء الذين غدر بهم “أبناء” الشيخ الذين يذكرونه بشبابه و يمثلون حسب تعبيره القبيح ما سماه عبثا “بالإسلام الغاضب”.
سيدي الشيخ لم يتعلم لا من أخطائه و لا من فواجع التاريخ
الظاهر للعيان أن “سيدي الشيخ” كما تطلق عليه النائبة المجمدة سامية عبّو لم يتعلم لا من أخطائه و لا من فواجع التاريخ و لا من أدبيات السياسة في العالم و لم يتفهم أن السياسة في نبلها و أهدافها ليست أبدا و بالقطع تدبير مكائد للخصوم و افتعال أزمات مصطنعة و ليست كبسة زر تتحول فيها تونس إلى حمام دم تغتال فيها البراءة و ينعدم فيها الضمير.
منذ أن حصلت الثورة و داست أرجل الشيخ تراب الوطن بدا أن النهضة تلعب أدوارا مشبوهة كالعادة فقد تبنى سيدي الشيخ بعظمة لسانه كل من انتمى أو مارس أو عاد لممارسة الإرهاب و وفّر لكل من تم التغرير بهم أو انخرطوا طوعا أو اختاروا طريق الإرهاب مقابل المال الخليجي الملوث كل الدعم الروحي و السياسي و الأمني كما سمح سيادة المرشد لمنظومة الإخوان الإعلامية في الداخل و الخارج بتوفير مساحات البث لخطاب الكراهية و التكفير و ما سمى بجهاد النكاح و حتى بعد أن حاول الشعب استعادة حريته المسلوبة ليلة 25 جويلية خرج الشيخ مرة أخرى بخطاب التضليل و أوكل ممارسته و بثّه و ترويجه لبعض بيادقه مثل رضوان المصمودى و ماهر مذيوب و محمد القومانى واصفا على لسان صهره رفيق بوشلاكة ما حدث بثورة الحرامية.
لقد استغل شيخ الإخوان قرارات الرئيس تلك الليلة ليعلن النفير العام رغم يقينه أن حركته قد فقدت ثلاثة أرباع الدعم الشعبي و المالي و الأخلاقي داخليا و خارجيا و باتت مجرد وكر لممارسة التلاعب و المخاتلة السياسية الهابطة.
لقد فقد شيخ النهضة كل دعم ملموس و بات مجرد كارت محروق تتقاذفه الهواجس و الكوابيس و لن يستبعد البعض نهاية مأسوية لشيخ التسعين.
* كاتب و ناشط سياسى.
شارك رأيك