كان اللقاء الذي انعقد بعد ظهر اليوم في إطار ركن” تجربتي مع..” في معرض تونس الدولي للكتاب (الدورة 36) استثنائيا وجلب عددا هاما من الجمهور. فالموعد كان مع ضيف مبجل استقبلته بلادنا هذه الأيام بحفاوة كبيرة ويتعلق الأمر بالكاتب الكندي، أصيل هايتي داني لافيريارDany Laferrière.
وقد كانت لجمهور القراء فرصة للاستماع للكاتب الذي سبقته شهرته إلى بلادنا، يتحدث عن مسيرته. فداني لافيريار كاتب غزير الانتاج وهو عضو بالاكاديمية الفرنسية، وقد توج بعدد هام من الجوائز الثقافية العالمية، كما أن تجربته الابداعية متنوعة، فله مثلا تجربة في الاخراج وهو يكتب المقال الثقافي.
وقد تولى مدير المعرض الأستاذ مبروك المناعي الترحيب بالضيف الذي يمكن القول أنه يشكل بالنسبة لمن لم يسبق أن اطلعوا على تجربته الأدبية والابداعية اكتشافا حقيقيا. فالكاتب يملك على ما يبدو وإضافة إلى البراعة الأدبية، أسلوبا فريدا في مخاطبة الجمهور. وبكل تواضع وذكاء في الآن نفسه، تمكن داني لافيريار أن يثير انتباه الحضور وأن يثير فضولهم بالخصوص وأن يخلق فيهم الرغبة في التفاعل معه وطرح مجموعة من الأسئلة عليه زادت في اثراء اللقاء وكشفت عن دراية العديد من التونسيين الواسعة بالتجارب الإبداعية الرائدة.
تحدث الكاتب عن سؤال البدايات الذي قال أنه كثيرا ما كان يتبرم منه لكثرة ما يطرح عليه، قبل أن يسلم حسب قوله بأن الأسئلة المتكررة هي بالضرورة الأسئلة الجيدة. لم يقدم إجابة محددة حول كيفية انطلاق رحلته الابداعية وقال أنه يحبذ كلما طرح عليه السؤال ما الذي دفعك إلى الكتابة، ان يجيب بسؤال آخر وهو لماذا يقرأ القارئ كتابا.
ويرى الكاتب أن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يفسر سبب اقتحام البعض مغامرة الكتابة، وإحجام الآخرين،عن ذلك حتى من بين الذين يملكون القدرة على الكتابة، هو الملكة الطبيعية التي قال عنها بالفرنسية.un naturel.
غير أن الشيء الثابت هو أن الكاتب يحتاج حسب المتحدث إلى قارئ حتى يصنع كتابا وقدم صورة تقريبية للعلاقة العضوية بين الكاتب والقارئ، فقال بأنها شبيهة بخارطة الكنز الممزقة إلى جزئين في حكاية القراصنة التي يهواها الأطفال، وأنه لا بد من توفر الجزء الذي يملكه الكاتب والجزء الثاني الذي يملكه القارئ حتى يمكن العثور على الكنز.
ولنا أن نشير إلى أن فترة الطفولة لها مكانة محورية في تجربة داني لافيريار ويجد القارئ اثرا لطفولته في كتاباته، وهو ما أكده بنفسه أمام الجمهور التونسي بحديثه عن تأثير فترة الطفولة وخاصة في موطنه بهايتي قبل أن يتحول إلى المونريال بكندا ويعيش لفترة بالولايات المتحدة وهو يعيش اليوم بين كندا وفرنسا. وداني لافيريار هو من شهود العيان على الزلزال الهائل الذي ضرب هايتي ( ببحر الكارييب) في 2010 وخلف اعدادا هائلة من القتلى اضافة إلى تشريد مئات الآلاف والدمار الهائل الذي شهدته البلاد. وقد كتب نصوصا تركت اثرا في القراء في العالم. وداني لافيريار عندما يتحدث عن سكان هايتي مثلما قام بذلك اليوم، فإنه يذكرهم بفخر قائلا مثلا أنه لما عاد بعد ثمانية أشهر من الزلزال الذي ضرب البلاد، لتوقيع كتابه الجديد، وجد صفوفا متراصة من القراء تنتظر توقيعا منه لافتا إلى أن الهايتيين، فقراء لكنهم يقرءون بنهم.
أما عن سؤال مقدمة اللقاء، حول الالهام ومن اي شيء يستمد الكاتب الهامه، فقد قال داني لافيريار أنه لا يعتقد في وجود الهام للكاتب وإنما بالأحرى توجد ذكريات يمكن أن تطفو على السطح في أي لحظة مشددا على أن جميعنا نختزن صورا وأحداثا يمكنها أن تظهر في اي وقت، المهم أن لا نقوم بافتعال أي حركة من اجل استعادة هذه الذكريات، فهي كفيلة بأن تطفو في أي لحظة بتلقائية.
وتحدث الكاتب بشاعرية واضحة عن مكانة الكتاب في حياة البشر معتبرا، أنه وإن اختلفت طريقة الاحتفاظ بالكتب والتعامل مع الكتاب بين شخص وآخر ولئن تباينت مستويات الكتابة واختلفت الاساليب ، فإن الكتاب يبقى ذلك الكائن القادر على صنع الجمال بمجرد وجوده في أي فضاء.
جدير بالذكر أن داني لافيريار اهتدى مع كل ذلك إلى جواب مقنع حول توجهه للكتابة استمده من طفولته. فقد كان يعتقد أن الراوي لا يموت أبدا فقرر أن يكتب حتى لا يموت.
foireinternationaledulivretunisien
الدورة36لمعرضتونسالدولي_للكتاب
معرض تونس الدولي للكتاب- Foire Internationale du Livre de Tunis
شارك رأيك