في اختتام الدورة التأسيسية لملتقى مراكز الفنون الدرامية بولاية تونس الكبرى قدم مركز الفنون الدرامية بمنوبة يوم الأحد 14 نوفمبر 2021 مسرحية “الكونتاينر” بقاعة الفن الرابع عن نص للكاتبة العالمية كلايري بايلاي واخراج حافظ خليفة.
“الكونتاينر ” كما هو من العنوان كلمة انقليزية The Container وتعني حاوية الشحن (le conteneur بالفرنسية) وقد تعمد المخرج وكاتب النص على اعتماد نفس العنوان على أساس أن الموضوع المطروح يدور داخل هذا الفضاء الضيق والخانق و أن نسق الأحداث سيكون متصاعدا وتدور مجراه داخل هذه الحاوية. و بالفعل هذا ما اكتشفه الجمهور حين قادهم الممثل رمزي سليم صاحب دور المهرب التركي إلى اعتلاء خشبة الركح قبل انطلاق رحلة شاحنة الكونتاينر نحو المجهول.
معايشة الجمهور صيرورة الأحداث
انطلقت الأحداث داخل الحاوية في أجواء منقبضة حزينة صامتة لتكشف في سياق الأحداث عن هوية الحارقين وهم خمسة لاجئين من بلدان عربية من تونس ومن سوريا ومن العراق ومن الصومال يسافرون داخل هذا الكونتاينر في هجرة سرية بعد أن دفعوا كل ما لديهم من أموال.
وتنطلق في الأثناء عملية المكاشفة لمعاناة كل فرد منهم وكل واحد وقصته مع الألم والعذاب والهروب من الجحيم وهنا يظهر سر إصرار المخرج على معايشة الجمهور صيرورة الأحداث ومتابعة الفعل الدرامي والوقوف على مأساة هؤلاء الحارقين بالحضور جنبا إلى جنب مع الممثلين وكأنهم من العناصر المهاجرة معهم في نفس الأجواء الخانقة يعانون ويلات الحارقين ويشعرون عن قرب بآلامهم ويصبحون جزء من الحكاية و شاهدين على مآسي ينفطر منه الحجر ويتفتت من سماعها الصخر.
وللإشارة قد سبق للمخرج حافظ خليفة أن اشتغل على هذه المسرحية العالمية “الكونتاينر” في نسختها الإيطالية قبل سنوات وإيمانا منه بأهمية هذه القضية الإنسانية الحارقة والدامية للقلوب قرر إطلاق النسخة التونسية من “الكونتاينر” للغوص أكثر في هذا الموضوع الحارق من وجهة نظر عربية تونسية وكأنه أراد بذلك إطلاق صرخة فنان من أجل التدخل لإيقاف هذا النزيف الذي دمر عائلات وشباب في مختلف الأعمار.
الرؤية الاخراجية لحافظ خليفة
قد لا نبالغ إذا قلنا أن هذه المسرحية شكل جديد من أنواع المسرح التجريبي يخوضها المخرج حافظ خليفة خلافا لما عودنا عليه من أعمال فنية ضخمة وسينوغرافيا مشهدية متحركة وإنارة وإبهار فهذه المرة حاد هذه عن نواميس الفرجة المسرحية المعهودة وأقدم على التمرد على الإخراج الكلاسيكي المتعارف عليهم من ركح وإنارة وموسيقى وتمرد أيضا على الفضاءات الشاسعة والسينوغرافيا المتحركة، ليخوض مغامرة مسرح تجريبي دون إنارة مسرحية مفتعلة أو ديكور أو فضاءات مفتوحة ودون حتى موسيقى بل اعتمد على بطاريات واضاءة خافتة فقط داخل فضاء ضيق جدا وهو الكونتاينر حاوية شحن البضائع.
ولمزيد إضفاء أكثر مصداقية وجرأة وتمردا أقدم المخرج على تشريك الجمهور في اللعب الدرامي بدفعه للمشاهدة داخل الحاوية ليكون مرافقا للممثلين في رحلة الموت والوقوف على معاناة هؤلاء الحارقين ليصبح هذا الجمهور الحاضر جزءا من الحكاية و شاهدا على المأساة الانسانية
اداء مميز وحرفية عالية
بالرغم من ضيق المكان والتصاقهم بالجمهور إلا أن الممثلون أبدعوا في أداء أدوارهم بلهجات مختلفة ومتعددة حسب الجنسيات وقد شارك في هذا العمل كذلك كل من الممثلين المبدعين البشير الصالحي، أميمة المحرزي، جميلة كامارا، رمزي سليم، نادية تليش، عبد القادر الدريدي، آدم الجبالي، وفي التقنية والتوضيب الركحي رياض التوتي ، محمد دبيشي و فتحي الزمزي .
وتبعا لخصوصية النص وتعدد اللهجات ولكي يكون اكثر واقعية و صدقا وارتباطا وثيقا بالواقع ، ساعد في صياغة اللهجات الأصلية كاللهجة السورية (الغوطة الشمالية) د.عجاج سليم و العراقية د. عواطف نعيم (الموصل، سنجار ) و السودانية الفنان عبدالله المصري و اللغة التركية الأستاذة رانية السوايحي.
شارك رأيك