لعل تنامي الضغط في الجنوب و احتمال تفجر الأوضاع في الجهات أكثر و تنامي الأزمة البيئية التي أظهرت ضعف الخبرة إضافة إلى الأزمة الاقتصادية و تنامي المديونية و تآكل المالية العمومية، كلها عوامل تجعل من الشتاء القادم في تونس أكثر سخونة و الهيجان الشعبي فيه جارفا لكل التنظيمات و التحالفات السياسية و الحزبية…
بقلم توفيق زعفوري *
جرّب التونسيون كل أشكال التنظم و التموقع، اليمين باعتداله و تطرّفه، اليسار بإعتداله و تطرّفه، و أحزاب الوسط بشعاراتها و استئصالها و تموقعها بين اليمين الفاشي و الإسلام السياسي…
جرّبنا كل أشكال التنظم و حتى التكنوقراط، و كنا شهودًا على حروب طاحنة في الكواليس و أمام الكاميرات بين الأحزاب و بين النواب و ازداد المشهد قتامة بين حكومات ساقطة قبل نيل الثقة و أخرى تخرج لعدم كفاية منسوب الرضى عنها و آخرون يُختارون و لا ينسجمون مع أولي العصمة و النفوذ…
من أزمة حكم إلى أزمة أشخاص
جرّبنا و جرّبت تونس هذا التطاحن و نحن من أزمة حكم إلى أزمة أشخاص و من أزمة اقتصادية إلى أزمة اجتماعية حتى وصلنا لحظة 25 جويلية 2021 وقد تنفس فيها الجميع بمن فيهم راشد الغنوشي الذي اعترف في مقال له أخيرا ببعض الأخطاء.
اعترف رأس الحركة الإسلامية بعد اعتراف الصقور و الحمائم فيها أو قل أغلب الإسلاميين و ما يشدنا في هذا و ذلك أن النهضة ما زالت تناور و تحلم بالوقوف من جديد و أن لحظة 25 جويلية و ما تبعها هي مجرد جولة و ليست معركة و الحرب سجال، بما يعني أن استسلام راشد الغنوشي أو انسحابه من المشهد أو لنقل إستقالته هي مجرد أضغاث أحلام و أن الرجل ما زال يتنفس حتى تحت الضغط و تحت النيران، النيران التي أكلت رصيده النيابي و السياسي منذ شهور، نيران الحزب الحر الدستوري التي كانت سياسة ترذيل المشهد و تشويه حركة النهضة من أهم برامج عمله الحزبي و النيابي و هذا ليس خافيا فاستئصال الإسلام السياسي هو نقطة مفصلية في برامج الحزب الحر و هو يدعو صراحة لذلك و يتبناه و يدعو لتشكيل المشهد دون النهضة و ها هو الآن يدعو و يضغط باتجاه ترتيب العمل البرلماني من جديد من خلال انتخابات سابقة لأوانها…
نحو تشكل مشهد سياسي غير تقليدي
نتائج سبر الآراء الأخير و منسوب الثقة في السياسيين واتجاهات التصويت تبقى دائما نسبية و ليست مطلقة و لو أنها تكشف الاتجاه العام و توحي يتشكل مشهد سياسي غير تقليدي خاصة مع اضمحلال أحزاب كانت تدور في فلك الإسلام السياسي و تنامي الشعور بالخوف لدى أغلب التونسيين من يمين فاشي و شعبوية عاجزة على حلحلة الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية، و بين هذا و ذاك ليس في وارد التونسيين الانتظار أكثر و لا حتى قبول مبدأ الهدنة القصيرة و لعل تنامي الضغط في الجنوب و احتمال تفجر الأوضاع في الجهات أكثر بعد نيّة التخلي عن قانون عدد 38 لسنة 2020 رغم إمضائه و صدوره في الرائد الرسمي، و الأزمة البيئية التي أظهرت ضعف الخبرة إضافة إلى الأزمة الاقتصادية و تنامي المديونية و تآكل المالية العمومية، كلها عوامل تجعل من الشتاء القادم أكثر سخونة و الهيجان الشعبي فيه سيكون جارفا لكل التنظيمات و التحالفات…
نتمنى السلامة لتونس و التونسيين و نُبقي الأمل موصولا في تحسّن الأوضاع جميعها بدء بالوضع الصحي…
* محلل سياسي.
شارك رأيك