نريد رئيس حكومة قوي حتى يأخذ بتونس بعيدا عن الأزمات و يرتقي بها إلى حالات النمو و الاستقرار و الإزدهار، و لا يمكن أن نعرف رئيسة الحكومة نجلاء بودن إلاّ من خلال حوار مطوّل معها و هذا يبدو أنه من أحلام اليقظة… و دون التشكيك في كفاءة السيدة بودن فإننا نريد أن نرى رئيسة الوزراء و أعضاء حكومتها يتجولون بيننا في الأحياء بمناسبة أو بصفة مفاجئة و أن نسمع منهم و نتحاور معهم حتى نعرف إن كنا على الطريق السليم أم نحن فعلا تائهون يلزمنا سنوات ضوئية أو معجزة حتى نخرج من هذه الأزمات.
بقلم توفيق زعفوري *
من حق التونسيين أن يحفروا عميقا في قاع الواب حتى يعرفوا من يكون رئيس الحكومة و من يكون في هذه الوزارة و في تلك، و إن كان فعلا هو الرجل المناسب أو المرأة المناسبة في المكان المناسب و إن كانت فعلا مؤهلاته(ها) العلمية و السياسية في حجم المهام المنوط بعهدته(ها) في الوزارة التقنية أو الوزارة السيادية…
و بعيدا عن منطق المحاصصة الذي كان سائدا في العشرية السابقة و عن منطق التعيين أو الاختيار، فإن خيارات الأمس القريب لم تكن موفقة فكان أن دفعت تونس و التونسيون ثمن تلك الخيارات الخاطئة و ما أكثرها… “سيدتي تكلمي حتى نعرف من أنتِ”!
عدم الظهور خيار مدروس وسياسة و منهاج
من الواضح أن رئيسة الحكومة الحالية تشبه في مَأتاها رئيس الحكومة السالف، كلاهما يأتيان من عمق الإدارة، لا مواقف سابقة لهما تذكر و لا تاريخ سياسي و لا نضالي و لا شيء يُحسب لهما عدى سيرة وظيفية جيدة و كأن عزاءنا في تجربتهما علّهما يفلحان و هذا دفعت ثمنه تونس، منذ الحبيب الصيد مرورا بيوسف الشاهد و الحبيب الجملي و إلياس الفخفاخ و هشام المشيشي…
لا نكاد نعثر على أثر لرئيسة الحكومة لا في زيارات ميدانية و لا في وزارات و لا في مؤسسات و لا في المشاهد الخارجية، حتى أننا ندرك أن أمر الظهور من عدمه مدروس و هو خيار و سياسة و منهاج… و الواقع أن سفير فرنسا السابق Olivier Poivre d’Arvor كان يأتي البلاد طولا و عرضا أكثر من وزرائنا الميامين الموقرين الذين زاد وزنهم من فرط الجلوس على الأرائك !
أن تظل رئيسة الحكومة داخل أسوار القصبة فهذا خيارها و أن تعمل في صمت، فهذا أيضا خيارها، و لكن تواصلها و إتصالها بالتونسيين لازم و ضروري خاصة في هاته المرحلة بالذات، خاصة مع تنامي السخط الشعبي في كل مناحي الحياة، و لن أذكر أي قطاع و أي حالة فأنا أعني الكل و لا أستثني شيئا، و عزلتها لا تزيدها إلا سلبية و غربة عن الواقع، فنحن لا نعرف كيف تتعاطى مع الأحزاب و المنظمات الوطنية و لا الشخصيات و الوفود الأجنبية و ماهو توجهها و سياستها، و لا نريدها أن تكون كسلفها و لكن نريد أن نسمع منها لا عنها و إن كان بمقدورها أن تكون فاعلة في ما يجري.
نحن نحتاج إلى سياسة تواصل واضحة و متينة
نريد رئيس حكومة قوي حتى يأخذ بتونس بعيدا عن الأزمات و يرتقي بها إلى حالات النمو و الاستقرار و الازدهار، لا يمكن أن نعرف رئيسة الحكومة إلاّ من خلال حوار مطوّل معها و هذا يبدو أنه من أحلام اليقظة إذ لا نعرف أيضا مدى كفاءة الوزراء المختارين، دون التشكيك في كفاءتهم أو المزايدة عليهم، و لكن نريد أن نرى وزراء و مسؤولين يتجولون بيننا في الأحياء بمناسبة أو بصفة مفاجئة و أن نسمع منهم و نتحاور معهم حتى نعرف إن كنا على الطريق السليم أم نحن فعلا تائهون يلزمنا سنوات ضوئية أو معجزة حتى نخرج من هذه الأزمات.
حوار وحيد، يتيم للرئيس قيس سعيد إبان زيارته لباريس منذ شهور طويلة، و منذ تعيين رئيسة الحكومة لم نسمع منها و لم تتواصل مع أحد عدى إتحاد الشغل منذ أيام قليلة.
نحن نحتاج إلى سياسة تواصل واضحة و متينة، فلا يمكن أن يظل كل شيء في الغموض و المفاجأة و أن تتكلمي سيدتي رئيسة الحكومة ليس معناه أن تخرجي من جلباب الرئيس، فقط تكلمي حتى نعرف إلى أين نحن سائرون…
* محلل سياسي.
شارك رأيك