يتضح أن بيان رئاسة الجمهورية التونسية المؤرخ في 21 نوفمبر 2021 بشأن فحوى المكالمة التي بادر بها وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن، وإن كان بالتأكيد يتباعد في شكله ومضمونه عن المعايير المعتادة للبيانات الرسمية، إلا أنه يشبه بشدة شخص الرئيس في أفكاره وكلماته وشتائمه أيضا حتى اننا لا نشك للحظة في أن الذي كتبه وصححه بالكامل هو الرئيس نفسه دون شريك.
بقلم القاضي أحمد الرحموني
ومهما كانت أهمية ذلك، فإننا نتساءل إن كان من الضروري في إعلان رسمي (أو حتى في مكالمة تهم علاقاتنا الخارجية) الحديث عن “الفساد الذي عم وانتشر في الدولة” و “نهب مقدرات الشعب التونسي” في حين يستنكر البيان لجوء بعضهم إلى عدد من الشركات للإساءة إلى وطنهم تونس ويدعو إلى تفهم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.
كما نستغرب أيضا من إغراق البيان (وربما المكالمة حسبما يتراءى) بخصومات الرئيس الداخلية مع المجلس النيابي و أعضائه وذلك بحديثه عن العنف والدماء التي سالت وقضايا هؤلاء وأكاذيبهم فضلا عن أطراف أخرى تنشر المغالطات في الخارج وتبث الأكاذيب و الافتراءات.!
النزعة التبريرية لخطاب رئيس الجمهورية
وبالتاكيد يبدو ذلك مرتبطا بخلفية البيان نفسه الصادرة عن نزعة تبريرية تحاول إبراز الأسباب مهما كانت (العنف النيابي، الفساد، القضايا…) التي حتمت اتخاذ القرارات الخطيرة و الإستيلاء على كامل السلطات.
ومن الواضح أيضا ان قيس سعيد، على خلاف ما أظهره في فترة سابقة من توجه وطني وسيادي يبدو متشبثا بدعم (أو تفهم) أمريكي، من ذلك إشارته إلى “العلاقات التونسية الأمريكية الضاربة في التاريخ” وإبراز مواصلة دعم الولايات المتحدة الأمريكية لتونس.
ورغم ان البيان التونسي قد أورد ما عبر عنه وزير الخارجية الأمريكي من ارتباط الدعم بضبط مواعيد الإصلاحات إلا أنه أغفل فحوى ما شجع عليه الوزير – حسب بيان المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية بتاريخ 21 نوفمبر – “من إنتهاج عملية إصلاح شفافة تشرك جميع الأطراف لمعالجة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الهامةالتي تواجها تونس و الاستجابة لتطلعات شعبها في استمرار التقدم الديمقراطي”.
فهل يمكن ان نفهم أن نزاعا بين الطرفين قد تعلق بغياب الشفافية و المشاركة والتقدم الديمقراطي في أسلوب الحكم بالبلاد؟ أم أن ذلك يعتبر حسب الرئيس التونسي من آخر الأولويات؟!
قيس سعيد لا زال متمسكا بالحكم الفردي
من الواضح أن قيس سعيد لا زال متمسكا بامتيازات الحكم الفردي ومتغافلا عن عمق الازمة السياسية، لذلك نراه يشدد في نفس البيان “على ضرورة أن يتفهم شركاء تونس ان الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية هي المشكل الأساسي الأول”. لكن ألا تبدو المشاكل الاقتصادية والاجتماعية أكثر تعقيدا في ظل أزمة سياسية كبرى قلبت موازين السلطات وهددت الحريات العامة والخاصة وأدخلت البلاد في نفق مظلم؟!
ومع ذلك نلاحظ ان الرئيس التونسي قد حاول طمأنة محدثه عندما يؤكد على انه “يتم الإعداد للمراحل القادمة و… أن الإرادة هي الخروج من هذا الوضع الاستثنائي إلى وضع عادي”. لكن هل من شأن هذا التأكيد أن يرفع الغموض عن تلك المراحل القادمة و آجال التدابير الاستثنائية وسط هذه الأجواء التي تعج بالتوتر و الارتجال والخوف على مصير البلاد؟!
شارك رأيك