رئيس الدولة قيس سعيد دخل منذ 25 جويلية 2021 في صراع مع القوى الحية و الوطنية في تونس باسم الحرب على الفساد. و هو لا يدرك أن الصراع مع القوى الإقليمية و الدولية يحتاج إلى جبهة داخلية صلبة و متماسكة ووحدة وطنية صمّاء للتغلب على صعاب المرحلة.
بقلم فوزي بن عبد الرحمان *
نعم، يصطدم رئيس الدولة كل يوم بحدود إمكانياته الفكرية و السياسية و الاقتصادية بواقع لا يفهمه و لا يفهم منه إلا الفساد و المناوءة و الخيانة.
تسيير الدولة يحتاج إلى قدر كبير من العقلانية غير المتوفرة في خطابات الرئيس و تدخلاته مع الأسف. جل كلامه على “هم” الفاسدون و المناوئون و المضاربون و المحتكرون و الخونة و مجوعو الشعب و سراق خيراته. و حتى عندما يتكلم مع قيادات أجنبية لا يتكلم إلا على هذه الشريحة المارقة من المجتمع.
خطاب الهدم لا يبني شيئا
الرئيس لا يتكلم على كل أولئك الذين يشتغلون بجد و الذين يدرسون و يتفوقون باجتهاد و الذين يبعثون في مشاريع تخلق الثروة، هو لا يتحدث على الجزء المضيء في المجتمع التونسي بطاقاته من كل الأعمار و الأجيال و التي تتصارع كل يوم مع دولة نسيت دورها و منظومة لم تعد تستجيب لأي من حاجياتها.
بعض مريدي الرئيس يرددون أنه لا بد من القضاء على المنظومة أولا قبل بناء منظومة جديدة.
رئيس الدولة يجيد خطاب الهدم و هو لا يجيد الهدم نفسه و هو لا يجيد البناء لأنه ليس رجل بناء و لا يمتلك قدرات رجال الدولة للبناء.
رئيس الدولة يتحدث عن مفاهيم جديدة و مضامين مبتكرة و مقاربات لم يصل إليها السابقون و لا اللاحقون.. و لكنه في الواقع يكشف يوما بعد يوم و كل يوم أنه ليس له أي برنامج للبلاد و للشعب. خطابات جوفاء شعبوية ليس وراءها أي مضمون يذكر. هل تكلم الرئيس يوما على أهمية الجهد و العمل و المبادرة و الابتكار و تنافسية الاقتصاد التونسي في العالم؟
نصّب الرئيس حكومة منذ 11 أكتوبر : حكومة من المستقلين و الجامعيين و الإداريين ترؤسهم سيدة من كوادر وزارة التعليم العالي و بالمرسوم 117 هي تطبق مشروع الرئيس و هي مسؤولة أمامه. لم تتحصل السيدة على برنامج الرئيس و قدمت أولوياتها الخمس كعناوين كبيرة من غير محتوى ثم طلبت من وزرائها برنامح عمل لكل وزارة ليكون برنامح الحكومة. و هذا هو عنوان يعني غياب أي مشروع و أي برنامج حكم. و لقد رأينا ذلك سابقا للتذكير فقط و لن تكون النتائج مغايرة لما كانت عليه.
عدم القدرة على المرور إلى الفعل
يفتقد رئيس الدولة لبرنامج اجتماعي و اقتصادي للبلاد. مشروع الصلح الجزائي خارح عن منطق الدولة، مشروع الشركات الأهلية لا تستطيع ان تكون حلا مستقبليا مستديما لاقتصاد عصري و تنافسي، فكرة البناء القاعدي (و لو أنه لم يتكلم عليها منذ توليه الرئاسة) ليست إلا مشروعا أثبت فشله نظريا و عمليا و ليس له من هدف إلا تفكيك الدولة.
حبل الشعبوية قصير لأن الرأي العام بدأ يدرك شيئا فشيئا فراغ الخطاب من كل مضمون بناء مشترك و عدم القدرة على المرور إلى الفعل و العمل الجاد و المنتج حتى في العناوين التي اختارها سواء في مقاومة الفساد بأنواعه.
قيس سعيد رئيس الدولة دخل في صراع مع القوى الحية و الوطنية في البلاد.. و هو لا يدرك أن الصراع مع القوى الإقليمية و الدولية يحتاج إلى جبهة داخلية صلبة و متماسكة ووحدة وطنية صمّاء للتغلب على صعاب المرحلة.
هو يريد الحكم و السلطة بدون أي مشروع يذكر.
لك الحكم يا سيدي الرئيس. فاحكم…
* وزير سابق للتكوين و التشغيل.
شارك رأيك