أراد العديد من السياسيين وبعض المغرضين أن يعزفوا طويلا على أوتار اعتقال مقدم برامج بقناة الزيتونة عامر عياد ومحاكمته ليمرروا أجندتهم ويكرسوا معارضتهم للرئيس قيس سعيد، وإحراجه أمام أعين العالم بأن أفعاله تخالف أقواله، فقد تعهد باحترام الحريات، وهو اليوم يعتقل الصحفيين وأصحاب الرأي.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
لكن ما يخبئونه هو أشد من ذلك وأكثر، فبعد أن فشلوا في إيصال صوتهم للعالم وتصوير ما حدث في 25 جويلية بأنه انقلاب على الدستور، وبعد أن يئسوا من محاولات إرجاع البرلمان إلى سالف عهده، أدركوا أن الرجل لم يُسجن على مجرد قصيدة قرأها وانتهى الأمر، إنما هم يرمون سهم القصيدة للإساءة الشديدة إلى رئيس الجمهورية بعناوين قبيحة، والازدراء مما يقدمه من أعمال تخالف ما يريدونه.
مقدم البرامج وظّف القصيدة لمآرب في نفسه
ونص القصيدة كالتالي:
قلت: للحاكم هل أنت الذي أنجبتنا؟
قال: لا لست أنا
قلت: هل صيّرك الله إلهًا فوقنا؟
قال: حاشا ربنا
قلت: هل نحن طلبنا منك أن تحكمنا؟
قال: كلا
قلت: هل كان لنا عشرة أوطان وفيها وطن مستعمل زاد على حاجتنا
فوهبنا لك هذا الوطنا؟
قال لم يحدث ولا أظن هذا ممكنا
قلت: هل أقرضتنا شيئا على أن تخسف الأرض بنا
إن لم نسدّد ديْننا؟
قال: كلا
قلت: ما دمت، إذن، لست إلها أو أبا
أو حاكما منتخبا أو مالكا أو دائنا
فلماذا لم تزل، يا ابن الكذا… تركبنا؟،
وانتهى الحلم هنا
أيقظتني طرقاتٌ فوق بابي
افتح الباب لنا يا ابن الزنى
افتح الباب لنا إن في بيتك حلما خائنا.
فمقدم البرامج وظّف القصيدة السياسية لمآرب في نفسه، أراد أن يبث في الشعب التونسي أن حاكمه ديكتاتور متغطرس لا يصلح أن يكون حاكما لأنه ببساطة انقلب على الدستور متهما إياه بأنه غريب عن هذا الوطن وعلى السياسة، وأنه لا يقوى على الولوج إلى بابها، بل من أي باب شاء.
ومن خلال هذه القصيدة أيضا ندرك أن مقدم البرامج أرسل رسالة مشفرة إلى الشعب التونسي مفادها بأن هذا الرئيس متحول جنسيا أو هو ابن غير شرعي أو هو غريب عن مجتمع ألِف الطهارة والعفّة، وهذا هو مغزى إيرادها في هذا السياق الذي استفزّ الجهات القضائية واعتبرتها نوعًا من الإساءة و الثلب، فالقصيدة في حدّ ذاتها يرددها الكثيرون للتعبير عن الامتعاض من الديكتاتورية ولكن لا يمكن أن تورد في سياق التعبير عن الحرية.
هل بعثت قناة الزيتونة لبثّ الفضيلة أم تنشر الرذيلة ؟
وبعد أن أطلقت المحكمة العسكرية سراح عامر عياد تباهى هذا الأخير بما كان يفعله بل توعّد الرئاسة ومن يناصرُها بأنه عاد إلى الحرب التي كان يقودها، واقتبس كلمة من القرآن الكريم “عُدنا” تعبيرا عن الإصرار على المنوال نفسه دون مواربة ولا اعتراف بالخطأ الذي ارتكبه في حق رئيس الجمهورية.
فقناة الزيتونة التابعة لحركة النهضة ذات التوجه الإسلاموي تأسّست لتبثّ الفضيلة لا لتنشر الرذيلة، ومقدّموها إن كانوا يقرؤون الحروف بالمقلوب فعليهم أن يقلبوا هذه الحروف حتى تتراءى لهم الحقيقة وينطقوها صحيحة، وعليهم أن يمنطقوا القصيدة ويوردوها في إطارها فلا يسقطوها على الحدث كما فعل عامر عياد.
ونحن في تونس اليوم، لسنا في حرب مع أحد، ومن يشعل النار أو يطلقها فإنما هو يطلقها على نفسه أولا، ولن تنفعه تغريدات ولا إعجابات لمنشور يجلب له القطيعة مع نفسه ووطنه ويحدث إرباكا في المشهد السياسي، وبعدها لا يجد من يناصره حتى من أقرب الناس إليه، لكن الحرب الحقيقية التي تشتعل في تونس هي كيف نحارب ذواتنا التي أنهكت بلدنا بمناوشات سياسية وترهات صبيانية وخزعبلات لا منطقية.
* محلل سياسي.
شارك رأيك