غازي الشواشي يستنهض الشعب التونسي و يدعوه إلى التمرد على الوضع الراهن و الانقلاب على الرئيس قيس سعيد و راشد الغنوشي يهدد بالعودة الوشيكة لبرلمان انتهى في نظر معظم التونسيين و بات في عداد الأموات. هل الخلل في مثل هذين الموقفين أم في جمود رئيس الجمهورية فيس سعيد الذي جعل التعبير عنها ممكنا ؟
بقلم توفيق زعفوري *
شهد السبت 27 نوفمبر 2021 تزامن تداول موقفين على غاية من الأهمية، يتقاطعان في وتيرة التصعيد و التحريض المقصود بهما تبديل قوانين اللعبة و تغيير صورة المشهد في البلاد.
الموقف الأول هو تدوينة السيد غازي الشواشي، الأمين العام للتيار الديمقراطي، تذكرني بأبي القاسم الشابي حين قال موجها خطابه لشعبه “ألا انهض و سرْ في سبيل الحياة *** فمن نام لم تنتظره الحياة”.
الشواشي يدعو إلى الانقلاب
غازي الشواشي و غيره ديمقراطيون أكثر من أفلاطون و أرسطو، هم حُرّاس الديمقراطية و أعمدتها، لا ينامون و لا يغمض لهم جفن لو أن أحدا أهان أو مسّ الديمقراطية من قريب أو بعيد، فهي حساسة جدا و لا يجوز التحرش بها! السيد الشواشي استنهض في تدوينة (و ليس في الساحات) الشعب و دعاه إلى القيام بدوره في إشارة واضحة إلى الثورة أو المتمرد على الوضع الراهن، أي بوضوح أكثر القيام بانقلاب على رئيس الجمهورية و تصحيح المسار و طي صفحة قيس سعيد إلى الأبد.
هذه الدعوة تتقاطع مع موقف ثان لراشد الغنوشي، رئيس البرلمان المعلقة أشغاله، منذ 25 جويلية الماضي، خلال اجتماع مع أعضاء المكاتب المحلية للنهضة في ولاية بنزرت، يقول فيها أن “البرلمان عائد أحب من أحب و كره من كره”.
دعونا أولا نتناول الصيغة الشكلية لهذا الموقف قبل المضمون: لغة “أحب من أحب و كره من كره” هي لغة تكررت أكثر من مرة على لسان النهضاويين من المرحومة محرزية العبيدي، إلى يمينة الزغلامي إلى فتحي العيادي، صقورهم و حمائمهم يتداولون هذه العبارات و كأنهم شامتون في أعدائهم و في الشعب، و هي عبارات إستعلاء و تحد و منطق ساحات و جماهير و ليس منطقا سياسيا دبلوماسيا تفاوضيا، فمن يريد مخرجا و صلحاً، لا يستعمل عبارات التهديد و التحدي و النكاية، اللهم لديه وراءه جرارات و دبابات و صواريخ و ترسانات نووية و غيرها، و هو منطق الديكتاتورية المتخلفة التي تسعى إلى فرض أمر واقع بالغصب و الإكراه.
الغنوشي و أحلام اليقظة
أما مضمون الموقف فهو فارغ فضفاض، الغرض منه تطمين النفس بعودة برلمان لا أحد في تونس يتمنى عودته غير راشد الغنوشي و بعض من والاه إكراما لديمقراطية جيفة حرام مزيد الدقّ فيها. ذ
راشد الغنوشي يتمنى العودة و ليس لديه آليات لا دستورية و لا سياسية و لا جماهيرية، و لا خارجية حتى، تمكنه من إعادة فتح أبواب قصر باردو، إذ ليس هناك اتصالات من أي نوع بين باردو و قرطاج، و لا مفاوضات و لا ترتيبات سرية أو علنية و لا أي شيء يوحي بعودة مؤسسة البرلمان غير أضغاث أحلام السيد الغنوشي و خياله التائه. و عليه لسنا ندري بأي شكل سيعود البرلمان حسب رئيس الحركة الإسلامية الذي لا يرى غضاضة في عودته حتى و لو كره أغلب التونسيين، حتى و لو على حساب سيادة الدولة و هيبتها، لطالما وقف أمام أسواره و استجدى مريديه و أنصاره و لم ينصروه، فما لذي يملكه اليوم من قوة و من جرأة تدعه يصرح بأن باردو سيعود أحب من أحب و كره من كره!؟
لم تعد في تونس بعد 25 جويلية الماضي أحزاب كبيرة و فاعلة و ذات نفوذ. عدنا إلى الفسيفساء و الحزيئات و الدكاكين الصغيرة. الحزب الوحيد المتماسك الثابث هو الحزب الدستوري الحر و لا تذهبوا بخيالكم بعيدا، فهذه حقيقة، وهو الوحيد اليوم القادر على الاختراق فاليمين يتغذى من الأزمات و يتقوّى منها و يصل الى السلطة من خلالها، و هذا هو التاريخ السياسي المعاصر لأوروبا منذ القرن الماضي و نحن لسنا بمعزل عن نفس المنطق و للحديث بقية…
* محلل سياسي.
شارك رأيك