لم تثبت حركة النهضة أنها تسير شؤونها الداخلية ديمقراطيّا حيث يتمسك رئيسها راشد الغنوشي بكرسي الزعامة و يرفض أي حوار مع معارضيه فكيف ستفرض ديمقراطيتها المزعومة أو المسمومة على الشعب التونسي، وهي لا تستمع للرأي الآخر و ترفض التنازل من أجل تونس؟
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
في تحدٍّ صارخ جديد للإجراءات التي قرّرها السيد قيس سعيد رئيس الجمهورية التونسية، يتحدّث الشيخ راشد الغنوشي، ويعلن أن “البرلمان التونسي سيرجع شاء من شاء وأبى من أب”، وكأنه واثق من رجوعه اليوم قبل الغد، ولكن من ذا الذي يضمن له ذلك وما الذي يجعله متأكدا وواثقا من قوله ذاك؟
رئيس حركة النهضة يستقوى مرة أخرى بالأجنبي ليحاول فرض واقع جديد غير الواقع الذي نعيشه، وهو واقع الإجراءات الاستثنائية المعلنة من طرف رئيس الدولة في 25 جويلية 2021، ونراه يمدّ يده للآخر القابع خارج أسوار الوطن ليستعين به في محاربة مؤسسة الرئاسة، ويريد من خلال نواميسه وأقرانه أن يحدث بلبلة في البلاد بدعوى أنه رئيس البرلمان.
الشيخ الوقور يرفض إعطاء المشعل للجيل الجديد
كان ينبغي على الشيخ الوقور أن يبتعد عن السياسة وأهوالها في هذه المرحلة العمرية المتقدمة ويترك الأمر للأجيال القادمة التي تنشد التغيير نحو الأفضل، بينما نراه وهو في هذ العمر يتمسك بالكرسي ويعامل الآخرين بأسلوب تغلب عليه الدكتاتورية حتى مع الذين كانوا من حركته، بل واستغنى عنهم بعد أن هدّدوه بالانفصال، -وهذا ما حصل بالفعل- فلم يستمع لنصائحهم وهمّ بالمضي قُدما إلى الأمام في استعلاء غريب واستفراد بزعامة الحركة، وكأن الزعيم لا ينتهي إلا بموته، وكأن الزعيم يجب أن يبقى في السلطة ولا ينازعه فيها أحد، فلم تثبت حركة النهضة أنها تسير في دارها ديمقراطيّا فكيف ستفرضها على الشعب التونسي، وكيف لا تسمع للرأي الآخر ولا تتنازل من أجل تونس؟
هذا ما حدث بالضبط لحركة النهضة التي تعيش اضطرابا كبيرا في سياستها وتخوفا متزايدا بعد أن سادت البلاد عقدا من الزمان سواء كانت في السلطة أو خارجها لأن الكل يعلم خفايا وخبايا الشيخ راشد الغنوشي وهو يدير الأمور من وراء ستار، ورغم أن الفرصة سنحت له في البداية وكان يملك رصيدا مهما داخل حركته (و إن ظل ملفوظا من أغلبية التونسيين) إلا أنه لم يستثمر ثقة النهضاويين إلا في كيفية بقائه في السلطة، وبقاء حركته متصدرة المشهد السياسي فسبّب له ذلك انتكاسة كبيرة في شعبيته ونكوصًا من عدد كبير من متعاطفيه ومؤيديه، لأنه لم يقدّم طيلة عشر سنوات أي شيء ملموس يذكر يمكن أن يخدم الشعب التونسي وهو يطالب السيد قيس سعيد اليوم أن يحقق لهم كل شيء في عامين، وينسبون إليه كل ما يحدث للبلاد من هزات اقتصادية متتالية واحتقان اجتماعي رهيب هم أول المتسببين فيهما بسبب سوء تصرفهم في شؤون الدولة خلال العشرية الفائتة.
ردّ الشعب التونسي على الغنوشي سيكون قاسيا
وفي الوقت الذي بدأ يستعيد فيه الشعب التونسي عافيته السياسية على الأقل بعد تجميد البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه وإعفاء رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي من منصبه، وبعد تشكيل حكومة جديدة بدأت تعمل وفق الإجراءات الاستثنائية، ظهر الشيخ راشد الغنوشي فجأة ليعلن أن البرلمان سيعود شاء من شاء وأبى من أبى، لكن ردّ الشعب سيكون قاسيا هذه المرّة وسيقول لن يعود كما كان مهما فعلتَ.
لن يعود البرلمان على شاكلته الأولى مهما يكون، ولن يكون لحركة النهضة الكلمة العُليا فيه، بل إن كان هناك برلمان تونسي سيعود، سيكون برلمانا محترما، أعضاؤه منتخبون من الشعب الذي ينبغي عليه أن يختار الأصلح ويحكّم عقله لا قلبه حتى تسير البلاد في الاتجاه الصحيح، لا نريد نوابا يتعاركون ويتخاصمون ويتقاتلون تحت قبّته بل نريد نوابا يبحثون قضايا المجتمع ويبحثون في الحلول الممكنة لمشكلات تعقّدت وتعفّنت بفعل النسيان المتعمد، نريد أن تخرج تونس من عنق الزجاجة بسلام.
ولكي يتحقق ذلك، على رئيس الجمهورية أن يكون حازما في هذا الأمر، ويسعى بكل ثقله أن ينشئ برلمانا قويا من خلال الدعوة إلى انتخابات تشريعية واستشارة المنظمات والأحزاب السياسية والعناصر السياسية الناشطة حتى تتراءى للشعب خطة العمل المستقبلية وحتى يكسب الرئيس عناصر جديدة تكون له عضُدا ويبعد عنه من العناصر من تكون له ضدّا.
فتصريح الشيخ راشد الغنوشي خطير ويوحي بأن هناك خطة تُحاك ضد مؤسسة الرئاسة سواء بالاستقواء بالأجنبي مثل الولايات المتحدة الأمريكية وهو الدعم الذي يتكئ عليه الغنوشي كثيرا أو بالاستقواء بالداخل من خلال تهييج الرأي العام ومحاولة إثارة البلبلة مستغلا الأحداث الجارية في تونس كغلاء الأسعار وبعض العمليات الإرهابية واحتقان الشارع التونسي. لذلك على السُّلطة اليوم أن تكون يقظة وتحاول أن تضع الأمور في نصابها حتى لا تؤول الأمور إلى ما لا يحمد عقباه.
* محلل سياسي.
شارك رأيك