ألوووووو… قرطاج، هل تسمعني!؟ الرئيس قيس سعيد الذي يوغل في العزلة و الانغلاق على نفسه مطالب بتعديل ساعته على نبض التونسيين و حسن الإنصات و إدارة الحوار بينهم و هو السبيل الوحيد لإخراج تونس من طوق الدائرة المغلقة…
بقلم توفيق زعفوري *
نتتبع دوريا، و في كل مناسبة، ما يقوله الرئيس قيس سعيد لضيوفه، و لفريقه الوزاري كلما إستدعى واحدا منهم إلى قرطاج، هي مناسبة يوجه لنا فيها خطابه بكل إيحاءاته و رموزه و طلامسه أحيانا و ضبابيته أحيان أخرى… خطاب لا يبدو في جدول أعمال زيارة الوزير إطلاقا، وهو مناسبة فقط لتوجيه الرسائل و تثبيت منصات الصواريخ كما يقول.
نحاول فهم طرائق تفكير الرئيس و تحليل مجمل السلوكات و الألفاظ و المصطلحات و خاصة القاموس الذي ينهل منه، و فهم هاته السلوكات يُذهِب بعض العجب و يجيب عن بعض التساؤلات التي ظلت عالقة في الأذهان.
هذه الورقة ليست بحثية و لا علاقة لها بعلم النفس و علم السلوكات و لا اللغويات و الألسنية، و إنما محاولة لفك عالم الرئيس من خلال مقولاته طبقا لمبدأ “تكلم حتى أعرف من أنت”…
من الواضح أن الرئيس و بالرجوع إلى فترة ما قبل الانتخابات كان من أنصار قلب الطاولة على الجميع و كل المنظومات السابقة عليها أن تذهب و لا تصلح لشيء سوى للدفن…
الرئيس من اليسار الراديكالي الإقصائي يشبه إلى حد بعيد الوطد و الجبهة الشعبية مع اختلاف بسيط بين من هو في السلطة و من هو في المساحات و مقر الأحزاب…
الرئيس يخشى التصادم مع الجميع و لكنه يحارب الجميع
لا يتحاور الرئيس مع أحد و لا ثقة له في أغلب مكونات المشهد الحزبي، فهو من خلال تكرار كلمات من قبيل “مقاربة جديدة”، و “أفكار جديدة” و “تصورات جديدة”، لا يبدو متحمسا للجلوس مع منظومة قديمة فهو على ما يبدو ملما بملفات كل الشخوص الفاعلة، من أحزاب و منظمات، و حتى من اختارهم للوزارات، أغلبهم غير معروف بالنسبة للتونسيين و ليست لديهم علاقات بالأحزاب أو هو حرص أن يكونوا كذلك، لا تاريخ و لا صلات قديمة و هذا جوهر مقاربته الجديدة، و لهذا هو لا يتحاور مع غيرهم، و بالتالي تصح فيه عبارة ال Eraser، أي محو و تحجيم كل ما هو سابق و البناء على الأنقاض على طريقته و من خلال أفكار يؤمن بها وحده، كالبناء القاعدي الذي لا نعلم عنه شيئا و لكنه منطلق لبرنامج و سياسات تمس جميع التونسيين، فما يصدره من مراسيم و قوانين و توجهات تأثر أيما تأثير في مجريات حياة التونسيبن على جميع الصعد… ثم أن الرئيس يخشى التصادم مع الجميع و لكنه يحارب الجميع دون إستثناء و التصادم من خلال استعمال أدوات قانونية بدل استخدام مفردات و أدوات التواصل و الحوار…
يتكلم الرئيس عن عديد الأشياء و لا نرى أثرا مباشرا لذلك و أحيانا نرى آثارا عكسية كارتفاع أسعار بعض المنتوجات أو احتكارها و ترتفع بذلك أسعارها، فما يريده الرئيس ليس كما يبدو في الواقع. لهذا يبدو دائما متنفّرا متوجها منفعلا و كأن ما يقوله هو من قبيل ردود الأفعال، وهو ينتهج سياسة حرب الكل ضد الكل تقسيما و ازدراءً، عوض أن يكون رئيس الكل و جامعا لا منفّرا بالإضافة إلى صمّ آذانه عن الجميع و عدم الجلوس إلى أي أحد تقريبا… أين تأخذنا هذه السياسات!؟
بداية انحدار منسوب ثقة التونسيين في الرئيس
أولا نلاحظ تقلص أو بداية انحدار منسوب ثقة التونسيين في الرئيس و تراجع نسبة الرضى عن سياسته، و تيقن التونسيين أن الخطاب الشعبوي له رنين وقتي و صلوحيته ظرفية و هو غير قابل للاستهلاك على المدى البعيد، إضافة إلى تصلب المناوئين و تزايد المعارضين و كأن جزء منهم معه بعد 25 جويلية و الجزء الآخر انقلب بعد 22 سبتمبر و تزايدوا مذاك التاريخ، و حتى إن فاز بولاية ثانية فسيكون فوزا نسبيا أقل بكثير من نسبة 70٪ التي تحصل عليها منذ سنوات فالسلطة تستهلك الرصيد السياسي على المديين القصير و البعيد و الرئيس ليس بمنأى عن هاته القاعدة…
يجمع المتفائلون من متابعي الشأن العام و من النشطاء أن الوقت يضيق و لم يعد بالإمكان المناورة أكثر و أن البطء في الإنجاز و سياسة عدم التحاور مع التونسيين و لو انتقاءً، ستذهب بما تبقى من مصداقية الرئيس و ستذهب بنا لا محالة إلى التصادم خاصة مع تأجج الأوضاع الاجتماعية في الجهات و تردي الوضع الاقتصادي و نمو نسبة العاطلين عن العمل، كلها عوامل أزمة تدفع إلى الانتفاض و الاحتجاج و الثورة…
ثانيا مازال خصوم الرئيس في الداخل و الخارج متمسكين بكونه انقلابي، و هو جزء من المشكل بعدما كان جزء من الحل… مؤسسات الدولة لا تُقاد بالأهواء و ردود الأفعال بل ببرنامج و سياسات واضحة و رجال وطنيين صادقين و علاقات تشاركية في الداخل و الخارج حتى لا تبقى تونس بمعزل عن محيطها الإقليمي و العربي و هو ما تحسسناه أخيرا و كان من نتائج سياسات الحاكم المطلق الواحد هذه العزلة التي تضيق بنا و لا نحتاجها، و الرئيس مطالب بتعديل ساعته على نبض التونسيين و حسن الإنصات و إدارة الحوار بينهم و هو السبيل الوحيد لإخراج تونس من طوق الدائرة المغلقة…
* محلل سياسي.
شارك رأيك