إن محاولة حركة النهضة إعادة صياغة ائتلاف المتضررين من الإجراءات الاستثنائية المعلنة من طرف الرئيس قيس سعيد يوم 25 جويلية 2021 لا يمكن أن تعيد عجلة التاريخ إلى الوراء كما لا يمكن أن تقبر تطلعات التونسيين إلى غد بدون هذه الحركة التي لا بد من محاسبة قيادتها و نبش كافة دفاترها القديمة منذ نشأتها إلى الآن ليعرف الشعب كم ارتكبت من خيانات و كم تآمرت على وطن أنهكته حتى صار على حافة الإفلاس.
بقلم أحمد الحباسى *
هيمنت حركة النهضة على المشهد و الحياة السياسية في تونس لمدة تزيد عن عشرة سنوات من تاريخ سقوط نظام الرئيس الراحل المرحوم زين العابدين بن على عام 2011. بطبيعة الحال من يعرف أدبيات قيادة حركة النهضة يدرك أنه كان متوقعا أن تصل تونس إلى حالة التسول الاقتصادي و الدمار المؤسساتي الداخلي التي هي عليه اليوم و التي لم تعد تخفى على كل المتابعين. كان من المنتظر أيضا أن يقع تدمير جهاز أمن الدولة بكل تفرعاته و شخوصه و أرشيفه و كان متوقعا بالتأكيد أن تتم عملية نهب أموال الدولة و تهريبها إلى الخارج و ما يعرف بالجنات الضريبية. لم يكن مفاجأة أن يفتح نظام “الترويكا” التكون من حركة النهضة و حزبي التكتل و المؤتمر و المتمثل فى أشخاص مشبوهين مثل محمد المرزوقى و مصطفى بن جعفر و راشد الغنوشى السجون لإطلاق سراح الإرهابيين لممارسة طقوس القتل و الإرهاب على الهوية, و كان متوقعا فوق ذلك كله أن تتحول المساجد الآمنة إلى مخابئ للأسلحة و بعض المتشددين الذين تم تكليفهم بمهمة استقطاب و غسل أدمغة الشباب المعطل عن العمل و الفاقد للقيم و الخارج على القانون.
كان هدف الحركة الاسلامية الانقلاب على كل مؤسسات الدولة
لقد استقوت حركة النهضة بالنظام القطري و بجماعة الإخوان و بهيئة علماء المسلمين و تشعباتها المالية الضخمة و دخلت في تحالف محموم و متآمر مع النظام التركي المتشابك مصلحيّا مع الصهيونية العالمية و كان هدفها واضحا وهو الانقلاب على كل مؤسسات الدولة و ضربها من الداخل لإفراغ الكيان من كل مقومات صموده و من ثمّة المرور لتنفيذ المخطط المتمثل في إقامة دولة الخلافة السادسة التي بشّر بها رئيس الحكومة السابق حمادي الجبالى فى خطاب لا تزال أصداؤه لحد الآن تذكر أهل هذه البلد بأنهم كانوا على قاب قوسين من أن يصحوا نسخة مطابقة للأصل من طالبان و أن هذه الأرض الطيبة قد كانت ستصبح أرض الميعاد لكل فلول الإرهاب التكفيري الذي تموله الدولة القطرية و يشرف عليه في تونس الجهاز العسكري السري بقيادة عبد الكريم الهارونى و علي العريض و حمادي الجبالى و قيادات من الدرجة الثانية مثل مصطفى خذر. لقد حدث الانقلاب على النمط المجتمعي الوسطى و على الإرث البورقيبى بما فيه كل مكاسب المرأة.
لقد اتخذ الانقلاب أشكالا متعددة و متوحشة و متآمرة و خبيثة و بنت حركة النهضة أحلاما بأنها ستحول تونس إلى أفغانستان جديدة و كاد الأمر أن يتحول فعلا إلى حقيقة لولا صمود بواسل جيشنا و شعبنا في ملحمة بن قردان و حين تكشف الحقائق إن سمحت لها ظروف المساومات السياسية أن تكشف فستخرج أسرارا مرعبة عن تلك اللحظات الصعبة التي مرت بها البلاد و التي تسببت فيها أياد خارجية و داخلية متآمرة و قذرة تنتمي كلها إلى المؤسسة الإرهابية التي بناها عمامة الموت و شيخ الفتن و التكفير يوسف القرضاوى.
لعل من بين أشكال الانقلاب هو إشاعة فائض من أجواء الصدمة و الرعب مثلما حصل مع الشهداء شكري بلعيد و لطفي نقض و محمد البراهمى و كان الهدف واضحا هو إسكات كل صوت يفضح حالة الانقلاب الحاصلة على كل منجزات الاستقلال و ضربها في الصميم بغاية وحيدة و هي خدمة المشروع الصهيوني المتمثل في الفوضى الخلاقة التي انطلقت من العراق بمجرد سقوط نظام الرئيس صدام حسين.
تحت حكم الإسلاميين تحولت تونس إلى قاعدة لتصدير الإرهاب
لقد حصل الانقلاب فعلا بحيث تحولت تونس إلى غنيمة عقائدية و قاعدة مهمة لتفريخ و تصدير الإرهاب و تم تركز جهاز أمن موازى يقوم بالإشراف التام على متطلبات المرحلة وهي تسهيل عملية تسفير الإرهابيين إلى سوريا عبر سفرات الخطوط التونسية العادية كما تم تسخير مرفق القضاء بكامله للتعتيم و إخفاء الملفات و تعطيل كل العرائض التي تقاضى النهضة أو بعض من ينتمي إليها بالتبني القسرى بدافع الخوف و كان واضحا أن نورالدين البحيرى قد وضعه كل رقابته على جهاز القضاء لخدمة مشروع تفتيت الدولة و المؤسسات و تركيع الشرفاء.
هذا الانقلاب التآمري على جهازي الأمن و القضاء لم يمنع الحركة من القيام بعدة محاولات لاختراق المؤسسة العسكرية و غنى عن البيان أن ما حصل زمن الزعيم بورقيبة و بن على من اختراق قد تكرر بصورة لا تزال غير مكشوفة بالكامل لأسباب يطول شرحها. لقد حصل الانقلاب أيضا في مجال الإعلام حيث ضخت حركة النهضة أموالا خيالية لتدجين و شراء الأصوات و المحطات الإعلامية و يكفي الرجوع الى اتهامات الوزير السابق محمد عبّو لاكتشاف نزر قليل من الحقيقة يضاف الى ذلك طبعا فضيحة عقود الاستشهار بالمليارات المبرمة بين الحركة و شركات دعاية صهيونية لتلميع و تبييض و شفط دهون هذه المنظومة الاخوانية.
انقلبت حركة النهضة على ثوابت السياسة الخارجية التونسية و أعلنت انحيازها لبعض الأنظمة المنخرطة في تنفيذ المشاريع الصهيونية و تجلت قمة هذا الانخراط في استضافة ذلك المكوّم الهجين المسمى “أصدقاء سوريا” و في تسفير آلاف التونسيين لممارسة جهاد الإرهاب و جهاد النكاح و في قرار قطع العلاقات مع سوريا.
التونسيون يتطلعون إلى غد بدون الحركة الإسلامية التي لا بد من محاسبة قيادتها
لقد سخّر و حوّل وكيل الإخوان في تونس و مرشد حركة النهضة راشد الغنوشى كافة دواليب و جلسات مجلس نواب الشعب إلى منصة دائمة لتمرير القوانين التي تخدم مصالح انتهازية لدول متآمرة على الاقتصاد و السياسة التونسية مثل تركيا و قطر و ستظل حادثة قراءة الفاتحة حين رحيل محمد مرسى المعروف بعلاقة حزبه بالدوائر الصهيونية من أسوأ اللحظات التي شاهدها التونسي تماما كلحظة محاولة أحد عناصر الحركة إنزال الراية الوطنية بكلية منوبة أو لحظة تهديد الصادق شورو للمعارضين للحركة بصلبهم من خلاف.
لا يمكن لحركة متآمرة مثل حركة النهضة أن تتحدث عن انقلاب وهي من كانت تتأهب قبل أيام فقط من 7 نوفمبر 1987 للقيام بانقلاب دموي إرهابي مسلح على النظام القائم و لا يمكن لحركة مارست الاغتيالات و التفجيرات و السحل و التآمر و العمالة للخارج طيلة مسيرتها أن تقف مجرد الوقوف في وجه محاولة الرئيس قيس سعيد لتصحيح المسار بمجرد قراءة سلمية مختلفة لنصوص الدستور حتى لو اختلف بعض الشرفاء مع هذه القراءة.
إن محاولة حركة النهضة إعادة صياغة ائتلاف المتضررين من هذه القراءة الدستورية للفصل 80 مثل جوهر بن مبارك و الصافي سعيد و حمة الهمامى و الحبيب بوعجيلة و بقية المؤلفة قلوبهم معها لا يمكن أن يعيد عجلة التاريخ إلى الوراء كما لا يمكن أن يقبر تطلعات التونسيين إلى غد بدون هذه الحركة التي لا بد من محاسبة قيادتها و نبش كافة دفاترها القديمة منذ نشأتها إلى الآن ليعرف الشعب كم ارتكبت هذه الفئة الضالة من خيانات مروعة و كم تآمرت على وطن أنهكته حتى صار على حافة الإفلاس.
* كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك