ما علاقة lti;l الشخصية الافتراضية المنطوية على نفسها بشخص رئيس الجمهورية قيس سعيد الذى عٌرف بأنه لا يمتلك حتى مجرد حساب فايسبوكى وأن عالم الرقميات يبدو بعيدا عنه كل البعد؟
بقلم محجوب لطفى بلهادى *
تزامنا مع مطلع الألفية الجديدة استفاقت البشرية قاطبة على ولادة مجتمع مواز للمجتمع الواقعى يٌعرف “بالمجتمع الافتراضى” حيث تشتغل وسائل الاتصال الحديثة بخطى حثيثة على إعادة كتابة المٌحدّدات الشخصية لكل فرد منا بالحبر السرى “لوادى السليكون” الشهير…
وكما يتم الاستدلال على السجّل العدلى للأشخاص عبر بصمات الابهام، فإن “تفاعلنا” اليومى مع صفحات المواقع الاجتماعية أو المنصات الرقمية عموما بالاعجاب أو الاستهجان تترك بصمات رقمية واضحة كفيلة بفك شفرة هويتنا الحقيقية بكل أبعادها البسيطة والمركّبة…
الشخصية الافتراضية تحوم باستمرار حول ذاتها
انطلاقا من هذا النسيج العلائقى المٌستجدّ، تقاطعت جلّ البحوث المتخصصة فى حقل “السلوكيات الافتراضية” (أحد فروع “علم النفس الرقمى” الذى لازال فى طوره الجنينى) حول مدى تأثير تكنولوجيات الاتصال على سلوكيات الأفراد وما ترتب عن ذلك من تفكيك بٌنيوى ممنهج وعميق للنموذج الكلاسيكى للشخصية الذى يرتكز على مفهوم التنشئة الاجتماعية بمعناها الحسّى-الواقعى واستبداله بشخصية عٌصابية névrotique موغلة فى الانطوائية introversion والرّيبة من الآخر المختلف…
ومن بين أبرز المٌتغيّرات السلوكية القادمة من عالم الأزرق الفايسبوكى نشهد تحوّل “الأنا النرجسية” التى تعتمل بشكل طبيعى داخل ذوات كل واحد منا قبل أن تتمظهر من حين إلى أخر فى شكل إيحاءات أو أقوال أو أفعال إلى “أنا مرضية” مٌضخّمة إلى حدّ التورّم قد تبلغ مستوى إنكار حقّ الأخر المختلف فى الوجود ببٌعديه المادى و الرمزى…
وعلى غرار نظرية “مركزية الأرض” القروسطية فإن الشخصية الافتراضية تحوم باستمرار حول ذاتها لتثبت «للعالم الخارجى» المتآمر عليها أنها مركز الكون وكينونته الحقيقية دون منازع. شخصية تٌجيد التخاطب مع نفسها فى شكل مونولوج مٌملّ ورتيب. تعيش فى حالة تنافر/انسجام (حسب ما تقتضيه المصلحة) مع شخصيتها الواقعية، تٌحدّثها دون توقف عن بطولات وهمية حققتها فى عالم مارك زوكربيرك المخاتل. تنزع باستمرار إلى خلق مزيد من الأعداء فى معركة دنكيشوتية ضد طواحين الهواء. تستخدم قاموسا خاصا تٌستمدّ مفرداته و مفاتيحه اللوحية من نظرية المؤامرة. تحاول عبثا دون كلل أو ملل أن توهم نفسها والآخرين بأنها من جنس «المسيح المخلص» فى حين أن الآخر قادم من مملكة الأبالسة والشياطين. تٌوزّع صكوك الطهورية والعفّة يمينا وشمالا على قاعدة من «ليس معى فهو ضدى». وإن فٌرضت عليها المناورة فإنها تتحرّك ضمن نطاقات محدودة جدا لشدة خوفها من فقدان مجالها الحيوى. تعيش حالة من القلق المستمر angoisse permanente توجسا من أي محاولة استكشاف «لكوكبها الخاص» من قبل مخلوقات قادمة من عوالم سفلى…
الإيغال في سردية الفضيلة/الرذيلة
لكن لسائل ان يسأل ما علاقة هذه الشخصية الافتراضية المنطوية على نفسها بشخص رئيس الجمهورية قيس سعيد الذى عٌرف بأنه لا يمتلك حتى مجرد حساب فايسبوكى وأن عالم الرقميات يبدو بعيدا عنه كل البعد؟ وهو أمر لا يخلو من الغرابة في عام 2021 و إن كان يزيد شخصية الرجل ظلالا على ظلال.
فى الحقيقة تأتى الإجابة مباشرة من داخل علم السلوك الافتراضى الذى يعتبر أن الشخصية الافتراضية ذهنية mentalité قبل كل شىء لا تحتاج ضرورة إلى معرفة تقنية لوسائل التواصل الاجتماعى بل تستند الى مجموعة من الاستعدادات الفطرية القبلية prédispositions القادرة على الاستجابة بقوة مع المنظومة السلوكية الافتراضية…
فالانغلاق فى فضاء بلورى جذاب فى قطيعة عمّا يجرى فى العالم الخارجى، والقاموس الحربي المٌستخدم، وتكرار سردية الفضيلة/الرذيلة، والتشبث بأنماط “حوارية” مغلقة وملتبسة منها اقتراح “حوار” يشارك فيه “الشباب” عبر منصات التواصل الحديثة يطرح العديد من التساءلات والاشكالات منها :
- أليس فى ذلك تماه شديد مع مٌحدّدات الشخصية الافتراضية ؟
- ألم يكن ذلك كافيا لانجذاب مئات الآلاف من الشباب الفايسبوكى للتصويت بكثافة فى الدور الثانى من الانتخابات الرئاسية لسنة 2019؟
- وفى الأخير، ألم تكن هذه الانتخابات تأسيسا “لجمهورية فايسبوك” موازية للجمهورية الأولى والثانية داخلها وخارجها مفقود ؟
* باحث في الاستراتيجيات.
شارك رأيك