من الواضح ان حركة النهضة لم تستوعب أسباب تراجعها النوعى فى انتخابات 2014 و 2019، وأنّ خطاب المظلومية الذي مازالت تنتهجه بالرغم من أنها في قلب السلطة منذ 2011 لم يعد ينطلى إلا على الحمقى والأغبياء…
بقلم محجوب لطفي بلهادي *
مما لا شك فيه ان خطاب المظلومية يٌعدّ أداة استقطاب واستمالة للحشود استخدمتها العديد من الأقليات الإثنية والدينية والسياسية المضطهدة على مرّ التاريخ… إلاّ أنّ منسوب هذا الخطاب المٌخاتل بلغ ذروته فى التاريخ العربى المعاصر على يد الحركات الاسلاموية بكافة مجاميعها ومختلف تمظهراتها، فمن مظلومية حسن البنا و السيد قطب تشكّلت دورة كاملة un cycle complet من “المظلوميات الإسلاموية” آخرها مظلومية حركة النهضة في تونس وذلك بالرغم من تواجدها فى قلب السلطة السياسية بأبعادها المؤسساتية (التنفيذية والتشريعية) لمدة عشر سنوات كاملة من 2011 إلى 2021!
حركة النهضة و ثنائية المظلومية و المخاتلة
كان من الممكن للحركة الإسلامية التونسية – وهي فرع من تنظيم جماعة الإخوان المسلمين و تنتهج مناهجها في العمل السياسي – أن تستفيد من هذا الحيّز الزمنى من ممارسة شعائر الحكم للتخلص من سندروم “المازوجية” التى ظلت تلاحق أبرز قيادتها وجزء من قواعدها، ومن الانخراط الجدى فى عملية إعادة تجديد خطابها البنيوي المازوجى القائم على ثنائية المظلومية / المخاتلة…
فعلى خلفية تصريحات رئيس الحركة راشد الغنوشي الأخيرة المثيرة للتقزز والغثيان وتلك التى أعلن عنها مساعد رئيس الحركة على العريض بخصوص المدة التى استغرقها حكم النهضة طيلة هذه العشرية الرمادية القاتمة، يمكننا الجزم بأن العقل المسيّر للحركة لم يتحرّر فقط من أغلال المظلومية بل أسهم فى خلق حالة عامة من الاستمتاع والتطبيع مع ثقافة “الضحية” و”الاضطهاد” داخل أوساط الحركة من خلال استقراء الحاضر ومكاشفته عبر الاستدعاء المٌسقط الملتبس للماضى واعتماد آلية التبرير والتوظيف السياسوى الرخيص لفاجعة انسانية…
فعوض الاعتراف بأن الهالك – الذى أحرق نفسه داخل مقر الحركة المركزى بتونس العاصمة أول أمس 9 ديسمبر 2021 – ضحية نهم وشجع قيادى الحركة الذى يكاد لا ينتهى فإن شيخها ارتأى كيل الاتهامات طورا للنظام السابق وطورا لدولة ما بعد 14 جانفى 2011 فى حين أنه كان أحد الرموز الأساسية لهذه الدولة…
حبل البكائيات قصير جدا
وعوض الاعتراف أيضا بأن للنهضة دور كبير فى إجهاض تجربة الانتقال الديمقراطى وتحويلها الى “ديمقراطية واجهة” بائسة بجميع المقاييس، فإن مساعد الحركة على العريض تناسى أن السلطة بشقيها التنفيذى والتشريعى منذ سنة 2011 كانت خاضعة لسطوة حركة النهضة ونفوذها خاصة وان السلطة الأصلية بمفردات “الدستور الصغير” المنظم للسلط العمومية و”دستور 2014″ مستقرة فى قصر باردو مقر المجلس النيابي…
بعد هذه التصريحات المستهجنة قيميا وسياسيا الصادرة من أعلى السلم التّراتبى للحركة، بات من الواضح ان النهضة لم تستوعب أسباب تراجعها النوعى فى انتخابات 2014 و 2019، وأنّ خطاب المظلومية لم يعد ينطلى إلا على الحمقى والأغبياء، وأن حبل البكائيات قصيرا جدا…
باحث فى التفكير الاستراتيجى.
شارك رأيك