لا تخرج تونس من أزمة إلا لتدخل في أخرى، لذلك كان التفكير الاستراتيجي لدينا يدور في سياق هذه الأزمات المحكومة بخيوط داخلية وخارجية. هناك حاجة للتمييز بين صورتين للمعادلة الأمنية العسكرية، صورة ما بعد 2011 ونتائجها المعروفة، وصورة ما بعد 2021 التي نأمل أن تكون فيها حركة الاصلاح فاعلة على الأرض وتعمل على السيطرة على متغيرات مهمة ورئيسية داخل الدولة أبرزها سلوك الأفراد والجماعات وسير المؤسسات… وأخطرها اختراق السيادة وتخلي السلطة عن وظائفها.
بقلم العقيد محسن بن عيسى *
يأتي قطاع الأمن والدفاع في مقدمة الأولويات والاهتمامات التي يتبناها أي نظام، ويتطور بحسب التهديدات والمخاطر القائمة والمحتملة التي تستهدف البلاد. يتضمّن هذا المصطلح عادة وبشكل ثابت مهام أجهزة الأمن الداخلي والجيش الوطني لتأمين وجود الدولة، وسلامة أركانها، وحماية الوطن، والمواطن. والواقع أنّ التفكير على هذا المستوى يتبنى اليوم حقائق أكثر تعقيدا ويطرح أسئلة موضوعية عن الإنتظارات .
التطلّع إلى حلول جديدة
لا شك أنّ الحروب في القرن العشرين لعبت دورا في صياغة المفهوم الاستراتيجي للدفاع الذي تطور لاحقا ليتخذ طابعا شموليا لا ينحصر في بعده العسكري ثم يطرح بشكل متواتر الترابط الضروري بين الأمن الداخلي والخارجي.
بلغت التحديات أقصى مداها في العالم منذ سبتمبر 2001 فاضطربت القواعد الجيوسياسية وأصبحت التحالفات محل تساؤل. هكذا اتسع مفهوم الأمن والدفاع من جديد ليأخذ بعين الاعتبار البعد الدولي، فاليوم لا توجد دولة قادرة على ضمان أمنها بمعزل عن الواقع الإقليمي والعالمي.
يمكن القول أنّ منظور التهديدات المعتمد سابقا قد تغيّر تماما وخاصة منذ 2011 في العالم العربي ولدينا، فالمخاطر العابرة للحدود وتداخل المادي مع الجغرافي جعلت المشروع الأمني يتطلّع الى حلول جديدة لتساؤلات معهودة أمن مَنْ؟ وضدّ مَنْ؟ وبمَنْ؟
أفترض أنّ برامج تطوير القدرات والجاهزية لدينا تسير على النحو الممكن والمطلوب، ولكن نجاح استراتيجيات مجابهة الإرهاب والاختراق والجوسسة والجريمة المنظمة ورفع مستوى الأمن السيبراني يتوقف على مدى تقدم دراساتنا لهذه الظواهر. فمن واجب الدولة أن تُكيّف قُدراتها مع التحديات القائمة والمحتملة.
السيطرة على المتغيرات
لا تخرج تونس من أزمة إلا لتدخل في أخرى، لذلك كان التفكير الاستراتيجي لدينا يدور في سياق هذه الأزمات المحكومة بخيوط داخلية وخارجية. هناك حاجة للتمييز بين صورتين للمعادلة الأمنية العسكرية، صورة ما بعد 2011 ونتائجها المعروفة، وصورة ما بعد 2021 التي نأمل أن تكون فيها حركة الاصلاح فاعلة على الأرض وتعمل على السيطرة على متغيرات مهمة ورئيسية داخل الدولة أبرزها سلوك الأفراد والجماعات وسير المؤسسات… وأخطرها اختراق السيادة وتخلي السلطة عن وظائفها.
إنّ عالم اليوم قد امتزج فيه الداخل والخارج، وربما أصبح الخارج فاعلا أكثر أحيانا من الداخل. لذلك لا بد لهذه الحركة أن تقدّم نفسها وتؤكد مصداقيتها في إطار المصلحة الوطنية وثوابت المجتمع التونسي.
هناك حاجة الى رؤية شمولية على مقاسنا تكون قادرة على ربط الأمن والدفاع بالتنمية والاستقرار. رؤية تستأنس بالتجربة الدولية في توسيع دائرة مسؤولية الأمن والدفاع لتشمل النخب السياسية الحاكمة وكذلك مؤسسات المجتمع المدني ومراكز الأبحاث والجامعات، ومن خلالها المختصين والمؤرخين ورجال القانون والنخب المثقفة.
لا أميل كثيرا إلى القوالب اللغوية والشعارات المثالية التي لا نتجاوزها، فالأمن والدفاع ليس مجرّد إدارة، بل مؤسسة تعطي معنى لعمل الدولة.
* ضابط سابق في سلك الحرس الوطني.
شارك رأيك