مساحات استفهامية كبرى نحاول في هذا المقال قدر الإمكان اختراق تضاريسها الملتبسة من خلال تقفّى السيرة الذاتية للناشط الماركسي الراديكالي رضا شهاب المكي شهر “رضا لينين” والبحث عن المشترك الذى يجمعه برئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد ذي التوجه الديني المحافظ.
بقلم محجوب لطفى بلهادي *
لم يعد يخفى على أحد العلاقة الخاصة التى تجمع رئيس الجمهورية باليسارى المخضرم رضا شهاب المكّى ( شٌهر لينين) والتى بلغت ذروتها باستقباله فى قصر قرطاج، تحديدا فى رحاب القاعة المٌخصّصة للقاءات ذات الطابع الرسمى…
كما لم يعد يخفى على أحد أيضا ان “رضا لينين” يٌعدّ أحد أبرز المنظّرين لمشروع “البناء القاعدى” الذى يتبناه الرئيس قيس سعيد وأحد الفاعلين الرئيسين فى حملته الانتخابية الرئاسية…
لكن ما علاقة شخصية يسارية منسجمة مع قناعاتها منذ أكثر من أربع عقود بخلفية رئيس الجمهورية المتماهية أكثر مع المرجعيات الدينية المحافظة؟
كيف يمكن الجمع بين اتجاهين متنافرين على مدى عقود ضمن مشروع مٌوحّد يٌبشر بنسخة متجددة من “كمونة باريس” عنوانها الأبرز “الشعب يريد”؟
هل هى مٌجرّد مصادفة أم ان هناك خيط ايديولوجى ناظم وجامع بين الرجلين؟
مساحات استفهامية كبرى نحاول قدر الإمكان اختراق تضاريسها الملتبسة من خلال تقفّى السيرة الذاتية لرضا لينين والبحث عن المشترك الذى يجمعه برئيس الجمهورية.
من هو رضا لينين ؟
فى تقديم سريع، يمكن اختزال مسيرة الرجل فى محطتين رئيسيتين : أولا، يعتبر رضا لينين من أبرز قادة اليسار الطلابي ثمانينات القرن الماضى، ومن منظّرى فصيل “الوطنيين الديمقراطيين الموحد” (الوطد) وأكثرهم قدرة على الحجاج والجدل الأيديولوجي مما استحق نيل لقب لينين (قائد الثورة البلشفية)… و ثانيا، هجرته للعمل إلى البحرين لمدة سنوات طويلة…وهو البلد الخليجى الذى تقطنه غالبية شيعية والذى يعٌدّ مهد “الدعوة القرمطية” التى سنأتى علي تقديمها فيما بعد…
وفى ظل غياب نقد ذاتى لتجربته الطلابية اليسارية الموغلة فى الأرثوذكسية طيلة هذه العقود، وعودته بعد كل هذه السنين لإعادة طرح فكرة “البناء القاعدى” بمثل هذه القوة والإصرار فان ذلك يجعلنا نميل إلى الاعتقاد بتلازم المحطتين إلى حد بعيد وبالتالى فإن وجهة البحرين لم تكن وليدة صدفة…
ما الذى يجمع رضا لينين بقيس سعيد ؟
بالتأكيد، تميزت الأوساط اليسارية فى ثمانينات القرن الماضى باعجابها الشديد إلى درجة الهوس بالتجربة الماركسية “الألبانية” وبقائدها أنور خوجة، وعندما يتحوّل النقاش إلى استقراء موروثنا العربي الإسلامى وما يتضمنه من تجارب تقدمية ثورية شبيهة فان فصيل “الوطد” الذى ينتمى إليه رضا لينين كان يٌمعن التمجيد بتجربة القرامطة وما أدراك ما القرامطة !
لمن قد لا يعلم فإن “الحركة القرمطية” تعود تسميتها إلى مؤسّسها حمدان قرمط وهى فرقة منشقة عن الحركة الاسماعلية الشيعية المذهب، عٌرفت بقيامها بثورات العديدة ضد الخلافة العباسية في السنوات الأخيرة من القرن التاسع الميلادي ليمتد نفوذها إلى البحرين وعمان والطائف واليمن وبعلبك وصولا الى مصر والمغرب…
وقد شدّد المفكر اللبنانى الشيعي الشيوعي حسين مروّة، في كتابه “النزعات المادية والفلسفية في الحضارة الإسلامية”، متحدثاً عن تاريخ القرامطة : “إن كانت ثورة الزنج هي ثورة العبيد، فإنّ الثورة القرمطية هي ثورة الفلاحين بلا منازع، ويكاد يجمِع المؤرخون على أنّ بداية هذه الحركة كانت عام 264 هـ، إبان ثورة الزنج بالبصرة، قدم في هذا العام إلى منطقة الكوفة، أحد دعاة الإسماعيلية، وهو حسين الأهوازي، وكان معظم سكان هذه المنطقة من النبط، الذين عرفوا بانشغالهم في الفلاحة منذ القديم، وكانوا آنذاك يعانون من تردي أوضاعهم بسبب كثرة الضرائب المفروضة عليهم، واستغلال كبار الملاكين من الإقطاعيين لهم، ولذلك كانوا مستعدين للوقوف مع من يخلصهم من هذا الوضع، وفي الكوفة التقى حسين الأهوازي بفلاح، وهو حمدان قرمط، فآمن بمذهبه، وإليه يعود الفضل في إرساء أسس الحركة القرمطية، وقد انتشرت حركة القرامطة بسرعة غريبة في أوساط الفلاحين أولاً، ثمّ امتدت لتشمل أهل الحرف والمعدمين من سكان المدن في منطقة الكوفة والبصرة في العراق، وفي منطقة البحرين وبعض مناطق بلاد الشام؛ بل وبعض نواحي اليمن في الجنوب…”.
البحث عن عدالة تٌنصف الضعفاء
كما أجمع عدد من الباحثين بأن “الحركة القرمطية” قاربت أفكارها الداعية إلى العدالة والمساواة بين مختلف الطبقات الاجتماعية الى اشتراكية ماركس، بل وسبقتها بقرون عديدة مما جعلها فى لحظة ما فى تقاطع موضوعى مع قناعات الرئيس قيس سعيد فى البحث عن اقتصاد تتحكم فيه “شركات أهلية”، وعن عدالة تٌنصف الضعفاء، تتعقب ” المفسدين فى الأرض وتحت الأرض”، ترتدى عباءة الزهد والطهورية فى مواجهة “عبدة الشياطين” الجدد من ساسة وأجسام وسيطة وحفنة من السماسرة والمضاربين…
باختصار شديد، فإن تمكن رضا “لينين” بذكاء حاد من الإبقاء على “الحبل السرى والباطنى” بينه وبين الرئيس قويا عبر يساريته الماضوية-التراثية، فهل يمكن لمشروعه “القاعدى” أن يمرّ على أرض رمالها متحرّكة، ابتلعت من قبل جميع “الأبنية القاعدية والفوقية” لحضارات تلوى الأخرى ؟!
* مٌتخصّص فى التفكير الاستراتيجى,
شارك رأيك