لا نقصد استفزاز أحد و لا نبحث إطلاقا على تحريك المياه الآسنة و بالطبع يهمنا حتما أن يرتفع نسق الحراك التجاري و السياسي و الأمني بين الشقيقتين تونس و الجزائر، هذا من حيث التوضيح لكن يهمنا أيضا أن نتحدث عن المسكوت عنه و عن بعض الخلفيات و التصريحات و أن نحاول استعمال المنطق و الموضوعية عند تناولنا لهذه العلاقة و هذه المصالح.
بقلم أحمد الحباسى *
أ
ولا يجب الانتباه إلى أن العلاقات التونسية الجزائرية لم تكن دائما في مدارها الصحيح و المطلوب و على حدّ علمنا المتواضع فقد كانت بعض القيادات الجزائرية السابقة تضع كثيرا من العراقيل و علامات الاستفهام في علاقتها بالنظام التونسي القائم من بورقيبة إلى بن على إلى راشد الغنوشى و كانت هناك لغة تصعيد و نرفزة سياسية جزائرية زائدة عن الحدّ في أغلب الأوقات مما جعل العلاقة بين البلدين تتأثر بارتدادات هذه الزوابع المناسباتية رغم بعض التصريحات المطمئنة و التي لا يقصد منها إلا ذرّ الرماد على العيون.
القيادات الجزائرية تضع نفسها دائما على حق و غيرها على باطل
مشكلة القيادات الجزائرية أنها تضع نفسها دائما على حق و غيرها على باطل و هذا الموقف المتعنت يضر طبعا بالغير و لا ينسجم إطلاقا مع متطلبات المرونة السياسية خاصة أن تونس مثلا و بقدر اهتمامها بتقوية علاقاتها مع شقيقتها الجزائر فهي تهتم بتقوية علاقتها مع دول أخرى مختلفة الأمر الذي تنجر عنه وجود ضغوط سياسية معينة ربما لا تتلاقى مع مواقف الجزائر . فهل تريد الجزائر مثلا أن تعزل تونس نفسها عن محيطها العربي و الأوروبي و الاكتفاء بعلاقتها معها و هل أن القيادة الجزائرية قادرة فعلا على مدّ تونس بكل احتياجاتها العلمية و التكنولوجية و العسكرية و المالية و هل أنه ليس من حق تونس أن ترى مصالحها مع الغير بغير النظرة التي تراها الجزائر و هل تقبل الجزائر على نفسها فرض وصاية على جارتها و هي من ناضلت من أجل تحرير الإرادة الإفريقية من الاستعمار؟
لا بد من الإقرار أن الأمر يستدعى اليوم من القيادة الجزائرية الجديدة محاولة جديّة في اتجاه تدوير الزوايا بخصوص بعض المواقف التي لم تعد تتماشى مع متطلبات المرحلة.
ربما شكلت زيارة الرئيس عبد المجيد تبّون الأخيرة إلى تونس فرصة للمكاشفة و المصارحة و ربّما سعت القيادة التونسية إلى أن يكون إمضاء الاتفاقيات الجديدة بداية الطريق الصحيحة بين البلدين منذ استقلالهما لكن من المهم الإشارة و من باب التوضيح لا غير إلى تواضع الإعانة الجزائرية الممنوحة إلى تونس رغم أهميتها جزئيا في سدّ عجز الميزانية و ما تتطلبه المرحلة الاقتصادية الصعبة التي ستمر بها البلاد في الفترة القادمة، فحين نعلم أن الرئيس قيس سعيّد قد أصدر في شهر نوفمبر الماضي مرسوما رئاسيا بمثابة قانون مالية تكميلي لسنة 2021 كشف فيه عن ارتفاع العجز من 47 ،2 مليار دولار مع تعبئة موارد اقتراض خارجي بقيمة 21،4 مليار دولار و آخر داخلي ب 82،2 مليار دولار فمن الثابت أن تخصيص عون قدره 300 مليون دولار تعزوه بعض الألسنة الخبيثة كمقابل لامتناع تونس على تصويت مجلس الأمن في مسألة الصحراء الغربية ليس المبلغ المأمول خاصة في ظل نكث بعض الأنظمة الخليجية لتعهداتها بتقديم المساعدة بعد قرارات 25 جويلية الشهيرة التي أطاحت بمشروع حركة النهضة و لو ظاهريا.
لا شك أن الجزائر لها طموحات و مصالح في تونس و العكس صحيح أيضا لكن المشكل أن الجزائر لها طموحات أكبر من أن يتم الوصول إليها في العاجل و الآجل دون دفع فاتورة باهظة خاصة في ظل ما تعيشه داخليا من ارتدادات و إرهاصات رحيل نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على كل المستويات بحيث يجب على الرئيس تبّون أن يجد الحل المناسب لتحقيق هذه الطموحات و عدم الاكتفاء بخطب النوايا الطيبة.
في كل الأحوال و نظرا لما يفرضه الوضع الاجتماعي و الاقتصادي و ربما الأمني في ظل تهديدات حركة النهضة بإشعال البلاد و افتعال الأزمات اليومية المتنقلة فلا بدّ للقيادة الجزائرية أن تعي هذه المرة أنه بقدر ما تتاح الفرصة الآن لوئام و تناسق سياسي بين البلدين فان النوايا الحسنة لا يمكن أن تعالج مشاكل مستعصية نتجت عن عشرية الإرهاب و الفساد التي تتحمل حركة النهضة مسؤوليتها و أن الطريق الوحيد هو خارطة طريق مختلفة الأضلاع واضحة لا تتأثر ببعض النزوات السياسية المسقطة و هذه الخارطة يجب أن تتضمن إرادة سياسية قوية لتنفيذها في كل الظروف.
ربما تعتبر القيادة الجزائرية أن تونس شريك محوري و هناك مساع و تطلعات للعمل معها لكن من المؤكد أن العلاقات بين البلدين الجارين لا زالت إلى حدود الساعة أقل ما يقال فيها أنها غير واضحة.
* كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك