الرئيس قيس سعيد يحظى بنسبة كبيرة من تعاطف التونسيين في استطلاعات الرأي، فلماذا عليه أن يستميل أغلب الناس بالحديث عن محاولات اغتيال تستهدفه فيرعبهم دون أن يسلم الملفات التي يقول أنها بحوزته إلى القضاء حتى يقول فيها كلمته، و الرئيس بمثل هذا الاستخفاف بالتونسيين لا يكف عن تقوية معارضيه في كل ظهور رسمي…
بقلم توفيق زعفوري *
الرجل صدامي يحسن الهجوم، يهاجم الجميع بوجه مكشوف و على جميع الجبهات، متنفّر، صواريخه دائما جاهزة على منصات الإطلاق، و هو لا يزال يطلق نيرانه على الجميع في الداخل و الخارج… يقول أنه مهدد بالإغتيال، لماذا عليه أن يطلعنا على أمر في غاية الخطورة و السرية قبل أن يكشف الفاعل و يقدمه للعموم في نقطة إعلامية خاصة!؟
أليست هذه المرة الثالثة التي يتعرض فيها لمحاولة اغتيال!؟ أيطلعنا على هكذا معلومات حساسة من باب حقنا في المعلومة أم من باب الشفافية أم من باب التواصل و الإتصال معنا أم لمجرد أنه يرسل رسائل لمن يهمهم الأمر كونه هنا، و لا يخشى الموت و أن جربوا غيرها!؟ أم أنه دون ذلك كله، الأمر لا يعدو مزيد استعطاف و احتواء التونسيين لكسبهم إلى صفه و إضعاف خصومه!؟ ألم يقل في أكثر من مناسبة أنه سيسمي الفاسدين بأسمائهم، هل فعل!؟
الحشرات و الخونة و العملاء، و الغرف المظلمة
الرجل يحظى بنسبة كبيرة من تعاطف التونسيين في استطلاعات الرأي، فلماذا عليه أن يستميل أغلب الناس، و هو يساهم في تسمين معارضيه في كل ظهور رسمي!؟ في أجندته، و في فكره السياسي، لا حوار مع الأحزاب، فليكن فهي في نظره فاسدة و عاجزة و قل فيها ما شئت، و لكنها ليست جميعها عاجزة أو فاسدة، بل العكس هي لازمة و ضرورية للفعل الديمقراطي، تخيل فقط أن تقول أنا أعيش في بلد ديمقراطي أو تونس من الديمقراطيات النادرة في شمال أفريقيا أو في أفريقيا كلها، و في المقابل ليس على الساحة أي حزب سياسي، و إن وُجد، لا تتحاور معه! هذا أمر في غاية الغرابة… هي – أي الأحزاب – لا تروقك فلتحاور من هي أقل فسادا، فالجلوس مع هؤلاء ليس كالجلوس في حصص التعذيب! –
الرجل يطلع علينا في كل مرة بخطابات مبنية للمجهول من فئة أطراف، و جهات و هم و هؤلاء و الفاسدين، و الحشرات و الخونة و العملاء، و الغرف المظلمة، مصطلحات سقطت من قواميس السنة الأولى علوم سياسية و بقيت حاضرة أو هي من أبجديات خطاب السيد الرئيس، كلما طلع علينا، اكتشفنا مزيدا من الخونة و الفاسدين و اللصوص دون أن يجزّ بهم في السجون خاصة ممن استولوا على المال العام في الوقت الذي استوى فيه على جميع السلطات و لكن سلط لا تزال غير نافذة و غير ناجزة… هي فقط سُلط مسلّطة على رؤوس الجميع…
الرجل يعمل منفردا لا يقيم وزنا لأي جهة في الداخل و عملية البناء و الإصلاح التي لا نعرف ملامحها ينفرد بها مع مجموعة وزراء من الثقاة و “المؤلفة قلوبهم” اختارهم بعناية فائقة، و حتى و إن تمكنوا من إخراج تونس من أزمتها فلن تُحسب لهم في موازين إنجازاتهم لأنه سيكون دائما ثمة من يشكك فيها أو يرى أننا كنا سننجز إنجازا أكبر و أقوى لو أننا تشاركنا في العمل و الفعل.
لسنا تشكك في نوايا الإصلاح و في نزاهة أو وطنية أي أحد من الوزراء و الفاعلين الحاليين، لكن يبدو أن الرئيس يبحث عن صفة أو منجز يدخل به تاريخ تونس و تاريخ المنطقة!
الحل من الداخل، وهو تشاركي أو لا يكون
لا يبدو الرئيس و من معه من العارفين و الملمّين بتفاصيل الملفات الحارقة، كالملفين الأمني و الاقتصادي، و لا يبدو أن هناك ملفا واحدا أغلق أو أًنجز من بين 3 ملفات على الأقل (تسفير شباب تونس الى بؤر التوتر، الجهاز السري لحركة النهضة، اغتيال الشهيدين شكري بلعيد و محمد البرا همي).
إذا لم يكن هناك اختراق في هذه الملفات الثلاثة، التي وعد الباجي قائد السبسي رحمه الله بكشف حقيقتها للتونسيين و لم يفعل، فإن الساحة السياسية لن تهدأ دون كشف هاته الملفات و ستظل تؤرق الرئيس و أي سياسي في المستقبل.
البناء بناء من الداخل و التطهير تطهير داخلي، و الحل من الداخل، تشاركي أو لا يكون، و طالما أنت وحدك دون الآخرين و دون الفاعلين، فإن أي منجز سيسحقه الخصوم حتى و إن كان في صالح الجميع.
من الجيد أن يكون لمؤسسة الرئاسة ناطق رسمي باسمها، أو نائب الرئيس، طالما الرئيس مهدد بالاغتيال، فعلى الأقل لو حدث اغتيال، لا قدر الله، لا ندخل في دوامة من عدم الاستقرار، و في الفوضى، فسيكون هناك على الأقل نائب للرئيس سيتولى الأمور حتى الاستحقاقات القادمة!!
لا يمكن تجاهل مخاوف أغلب التونسيين و هي مخاوف لها ما يبررها وهي مشروعة، مخاوف عن مكتسبات صارت مهددة كالحريات و الحقوق و مخاوف أخرى متعلقة بمستقبل بلدهم لأنهم لا يدرون أين تسير الأمور، و مخاوف اقتصادية تتعلق بالمقدرة الشرائية و بالشغل و الإصلاحات و غيرها، و نحن نخسر وقتا ثمينا على أنفسنا و على بلدنا و ما يمكن القيام به كثير و لا يستحق كل هذا التأخير و هذا التأمّل و التراخي.
* محلل سياسي.
شارك رأيك