لا أحد اليوم بإمكانه التكهن أو ذكر عناوين المرحلة القادمة كما لا يمكن التنبؤ بما ستكون عليه الأوضاع في تونس حتى بعد أسبوع، خاصة مع الضبابية التي ما زالت تحيط بقرارات الرئيس قيس سعيد و تصريحاته و تواصل المناورات الخبيثة لمعارضيه و على رأسهم شيخ الإخوان المسلمين راشد الغنوشي السيء الذكر.
بقلم أحمد الحباسى *
لم تقتصر ردود فعل شيخ الإخوان راشد الغنوشى و زبانيته على تبنى موقف سياسي رافض لقرارات الرئيس قيس سعيد و مراسيمه بل تعمد تحريك ميليشياته الموتورة المتكونة من بقايا الفشل في الانتخابات مثل نجيب الشابى و حمة الهمامى و بعض أعوان السفارات مثل الحبيب بوعجيلة و جوهر بن مبارك أو الذين أمضوا حياتهم في حضن هذا النظام العربي أو ذاك.
بطبيعة الحال تحركت تلك الشخوص بالشكل المطلوب و لم تخذلها حنفية أموال شيخ الإخوان و رفعت شعارات معينة غايتها الوحيدة الإيحاء بأن شيخ النهضة لا يزال هنا وأن مقولته الشهيرة “جلود الزعماء خشنة” ستبقى عنوان المرحلة حتى يتحقق الحلم الزائف بعودة برلمان الخيانة و بيع الذمم و الوطن و مسار ديمقراطية تزوير الانتخابات و شراء الأصوات.
الرئيس سعيد في مأزق و المرشد الغنوشي يهرب إلى الأمام
على الضفة المقابلة لا يزال الرئيس سعيد يراوح مكانه ولا تزال حكومته مختفية عن الأنظار و لا تزال السفارات الأجنبية تدلى ببيانات شديدة الغموض و لا يزال المواطن يعانى تصاعد غلاء الأسعار و ندرة مواد التموين و ضبابية الرؤية السياسية.
من الواضح أن الرئيس في مأزق و من الثابت أن رئيسة الحكومة أو ما يحلو لبعض الظرفاء بتسميتها بحكومة تصريف الأعمال لم تستطع التأقلم مع خطة الممرن و لم يعد لديها أمل في الوصول إلى الأشواط الإضافية و ربما ربح المعركة بضربات الجزاء الترجيحية.
لقد انتظر بعض من تبقى من المتفائلين ميعاد 17 ديسمبر كمن ينتظر بدلة أو مهبة العيد و لكن الرئيس خيّب الظن و اكتفى بنفس صدر القصيدة المعتادة متخلفا عن ذكر العجز مسندا كل كلامه للمجهول و بدل تقديم رؤية اقتصادية مسؤولة تزرع بصيصا من الأمل أصرّ على لغة خطب المذيع المصري الشهير أحمد سعيد قبل هزيمة حرب الأيام الستة.
بنفس الخبث الذي تحدث عنه كريم عبد السلام النهضاوى السابق خرج شيخ الإخوان راشد الغنوشى في إطلالته البائسة على تلفزيون “العربي “، لم يقدم الرجل حلولا و لا نقدا ذاتيا كما لم يعبر عن أي ندم أو خجل من مسيرته الدموية منذ نشأة هذا التنظيم و بالطبع لم يطرح استقالته على الطاولة كبداية البحث عن حلّ للمأزق السياسي الذي تعيشه البلاد منذ بداية حكم حركة النهضة و إلى غاية ليلة 25 جويلية الماضي.
لم يتطرق الشيخ إلى النتائج الكارثية التي أوصلت إليها حركته الدموية البلاد كما لم يلتفت إطلاقا إلى حالة الاحتقان التي جعلته يتذيّل دائما قائمة الأشخاص المنبوذين في نفوس المواطنين منذ 2011 إلى الآن.
طبعا لم يتخلف هذا الشيخ الدموي كما يصفه نفس القيادي السابق كريم عبد السلام عن إطلاق عبارات التهديد و الوعيد مطلقا النفير العام للدفاع عما سماها نفاقا بالتجربة الديمقراطية التونسية التي داسها بنعليه طيلة أكثر من عشرة سنوات.
لا أحد يتكهن بعناوين المرحلة القادمة
لا أحد اليوم بإمكانه التكهن أو ذكر عناوين المرحلة القادمة كما لا يمكن التنبؤ بما ستكون عليه الأوضاع حتى بعد أسبوع، هذه الضبابية من الرئيس يتحدث البعض أنها مقصودة تجنبا للتسريبات و يقول البعض الآخر و على رأسهم هذا الحراك المشبوه الذي يسمّى ب”حراك مواطنون ضد الانقلاب” بكونها الدليل القائم على تأرجح مواقف سعيد و ساكن قصر قرطاج و انسداد الأفق أمامه.
لعله من المفارقات أن تلتقي نفس هذه الرؤية و لو تحت تفسير مغاير مع رؤية و قراءة رئيسة الحزب الدستوري الحر السيدة عبير موسى و رؤية و قراءة الأمين العام للمنظمة الشغيلة السيد نورالدين الطبوبى.
مع ذلك لا يزال الرئيس يعتمد سلاح الغموض و تسريب الإخبار بتعرضه لمحاولات اغتيال و لا يفصح عن الجهة التي تخطط لها و لا على الأسباب التي تجعله لا يتقدم بالمعلومات للقضاء أو عقد ندوات صحفية لإنارة الرأي العام مكتفيا بالتصريح و التلميح الذي يثير من الأسئلة أكثر من الأجوبة.
تصريحات بعيدة عن المبتغى و خارجة عن الموضوع
لعل المصيبة كما يؤكد صديق الرئيس السيد رضا شهاب المكي الشهير برضا لينين أن السيد قيس سعيد هو من يفكر و من يقرر لأنه من الواضح أن الرئيس يعانى من بطء فادح في سرعة التفاعل مع الأحداث و المطبّات السياسية و في اختيار المستشارين و في الاستماع إلى من لا يجب الاستماع إليهم و بالمجموع و بالنتيجة تأتى قراراته و تصريحاته بعيدة تماما عن المبتغى و خارجة عن الموضوع فى كثير من الأوقات.
لعل العودة إلى رد شيخ الإخوان على مطالبة قيادات من حركته بالاستقالة تلخص حالة الإنكار القوية التي يعيشها فهو يؤمن بأن “الزعماء” في الأحزاب و هو من بينهم طبعا هم الاستثناء من القاعدة لقدرتهم على الصمود في مواجهة ما يسميه “بعامل التهرئة” لأن جلودهم خشنة بإمكانها تحمّل الصدمات و استيعاب تقلبات الزمن كما يظن بأن شعبيته ستتصاعد، على الأقل هذا ما حاول شيخ الدم الإيحاء به طيلة ظهوره على تلفزيون “العربي” و هذه الرسالة لم تكن موجهة إلى الرئيس تحديدا بل إلى بعض قيادات حركته و بعض الدول الأجنبية التي خذلته في أخطر مرحلة تعيشها حركته المتشظية بفعل عوامل التهرئة نفسها و نفور المواطنين المتصاعد منها و الذي جاءت أحداث حرق مقراتها و دوس علمها و إطلاق الشعارات المناوئة لها و لرئيسها دليلا قاطعا على ذلك.
بطبيعة الحال هناك من يتهم الرئيس بكونه قد فوّت فرصة الزخم الشعبي ليلة 25 جويلية لاتخاذ إجراءات عاجلة بإمكانه قضم أظافر الشيخ و تحجيم دوره و وضعه على لائحة المطلوبين للقضاء. فهل سيقوم الرئيس بإطلاق صواريخه هذه المرة للقضاء على الورم الخبيث؟
* كاتب و ناشط سياسي
شارك رأيك