كما كان متوقعا لم يشذ كثيرا رضا شهاب المكي شهر رضا “لينين” فى حواره الأخير مع الإعلامى حمزة البلومى لإذاعة موزاييك عن قناعاته اليسارية الموغلة فى الراديكالية مضيفا إليها مفاهيم ومصطلحات جديدة من قبيل عدم الحاجة إلى “الأجسام الوسيطة” والتبشير السكولائى- الكنائسى بمرحلة “ما بعد الديمقراطية”! و أهمية رضا “لينين” في نظر الإعلاميين و السياسيين ليست في آرائه و أفكاره التي تجاوزها الزمن منذ القرن التاسع عشر بل لكونه يعتبر المنظر شبه الرسمي (حيث لم يقع تكذيب ذلك بعد) أو المدافع الشرس عن مشروع الرئيس قيس سعيد المعروف بالبناء القاعدي.
بقلم : محجوب لطفى بلهادي *
إلى جانب الإعصار الفايسبوكي الذى خلّفه حوار رضا ” لينين” الأخير مع إذاعة موزاييك والذى تركّز حول معرفة ان كان الرجل مخمورا أم لا فإن أغلب فطاحلة التحليل السياسى فى بلادنا برتبة “كرونيكور” أجمعوا على تفكيك الحوار الى جزئين (من حيث الشكل ومن حيث الأصل) وكأننا حيال استقراء لمالات دعوى قضائية في حين أن هذه المقاربة سقطت منذ أكثر من عقدين خصوصا فى مجال النقد السياسى والجمالى المعاصر، فالشكل والمضمون فى الخطاب السياسى وجهان لعملة واحدة لا يمكن الفصل بينهما. فالأسلوب “الحوارى” المٌتّبع من قبل رضا “لينين” لا يمكن فكّ شفرته بشكل منفصل عن الرسائل المضمونية التى كان ينوى توجيهها الى المستمع (المتلقى) من نخب وجمهور واسع.
اللبس المفاهيمى المضمونى
فالهمهمة والغمغمة ومساحات الانقطاع / التقطّع “التواصلى” المتكررة التى عرفتها مختلف ردهات الحوار تعكس مدى اللّبس المفاهيمى (المضمونى) الذى يتخبط فيه رضا “لينين”، بالنتيجة غرقت فكرة اسقاط “الاجسام الوسيطة” ومصطلح “ما بعد الديمقراطية” بين أمواج الأثير المتقطعة والمشوّشة لرضا “لينين” مما حوّل وجهة النقاش العام من مقارعة عميقة للأفكار إلى عملية قيس نسبة الكحول لضيف البرنامج المعروفة بتقنية alcootest !؟
“فالأجسام الوسيطة” من مجتمع مدنى وسياسى، الذى اعتبره جون جاك روسو بمجتمع صاحب السيادة، باستطاعته صياغة إرادة عامة يتماهى فيها الحكام والمحكومون لم يكن وليد اللحظة بل أسهب فى التنظير له العديد من المفكرين من هوبز إلى هيغل وصولا الى أكبر رموز الفكر اليسارى من كارل ماركس وأنطونيو غرامشى. فالدعوة إلى إسقاط هذه “الأجسام الوسيطة” بين المجتمع والدولة لم يتبناها فى التاريخ السياسي إلا “التيار الفوضوى” بزعامة باكونين الذى يعتبر الدولة والاجسام الوسيطة حجر عثرة فى طريق تحقيق مشروعه القاعدي الذى لا يخضع لأي تنظيم هرمى فى إدارة السلطة…
الأجسام الوسيطة في وجه مشروع البناء القاعدي
أما عن دعوته للاستعداد للدخول الى مرحلة “ما بعد الديمقراطية” فانها أتت مٌبهمة ومٌحرّفة تماما للطرح الذى جاء به صاحب هذا المصطلح عالم الإجتماع البريطانى كولين كراوش فى كتابه “ما بعد الديمقراطية” حيث أنه لم يدعو بأى شكل من الأشكال الى نسف الدولة أو الأجسام الوسيطة بل الى ضرورة تثويرها من الداخل لمواجهة النيوليبرالية المتوحشة…
فإن كانت الديمقراطية “التمثيلية” تعيش أزمة فتلك حقيقة لا يختلف فيها إثنان لكن بالإمكان تجاوزها عبر ابتداع آليات تشاركية أوسع لتمثيل هذه “الاجسام الوسيطة” صلب المجالس النيابية وليس باسقاط “المعبد” أو ما تبقى منه على الجميع…
بالنهاية، نعتقد جازما أن بعد هذا الحوار لم يعد لرضا “لينين” إلا خيارين فاما أن يستمرّ إلى ما لا نهاية فى تقديس وثنيته الأيديولوجية وإما أن يعلن تخليه النهائى عن لقب “لينين” ويعود “رضا شهاب المكى” كما كان…
* خبير في التحليل الاستراتيجي.
شارك رأيك