قبل أيامٍ كان الرئيس التونسي قيس سعيّد قد ذكر أن هناك من يتعاون مع الخارج لتدبير عمليات اغتيال تطال شخصيات سياسية مرموقة وعلى رأسها رئيس الجمهورية نفسه، مما أثار جملة من التكهنات أن البلاد مقبلة على أيام ساخنة ربما تزداد توتّرا بين الأحزمة السياسية وخاصة بين جناحي حركة النهضة ومؤسسة الرئاسة، ويبدو من خلال كلام الرئيس أن هناك معلومات استخباراتية مؤكّدة في هذا المجال حصلت عليها الجهات المختصة بناء على تقارير تؤكد أن هناك من يسعى إلى القيام بمحاولات اغتيال لإثارة البلبلة في البلاد، فهل يعني ذلك أن ما قامت به هذه الأجهزة من إيقاف السيد نور الدين البحيري أول أمس الجمعة 31 ديسمبر 2021 إنما هو عملية استباقية لدرء مفسدة عظيمة كان يمكن أن تقع، ولو حدثت لكانت الواقعة؟
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
يبدو أن الفشل الذريع الذي مُنيت به هذه المنظومة الفاسدة لما بعد ثورة 2011 إثر قرارات 25 جويلية 2021 جعلها تتصرف بجنون وأحيانا بحماقة لإحباط كل محاولة نجاح يمكن أن يحققها رئيس الجمهورية لأنه عاداها جهرة وعلانية، وأقصاها من المشهد السياسي المقبل فحملت في نفسها غيظا دفينا وثأرا كبيرا وانتقاما غير معهود في السياسة.
ورغم محاولاتها المتعددة والمتنوعة وآخرها كانت حرب الأمعاء الخاوية لم تستطع هذه المنظومة أن تحقق شيئا على الأرض وبقيت تراوح مكانها وتترنح مع عناصرها بين الفشل والسقوط، تريد أن تخطو خطوات إلى الأمام من خلال استمالة عدد من الشخصيات لكنها في الوقت نفسه تتأخر كثيرا خطوات إلى الوراء لأن الشعب التونسي يشعر بأنها لم تكن صادقة في دعوتها وإنما هدفها الأساس كسر عظام مؤسسة الرئاسة التي مازالت تحظى بشعبية كبيرة في صفوف المواطنين.
أين الجهاز السري لحركة النهضة ؟
وإذا صحّ ما يُتداول عن الجهاز السري الذي يتبع حركة النهضة، ومحاولة الرئيس السابق الباجي القايد السبسي كشفه في عهده وما يتداول من حديث عن موته مسموما وفتح وزارة العدل تحقيقا في هذا الشأن، فإن الحركة الاستباقية التي تقوم بها الجهات الأمنية لحماية الرئيس والشخصيات السياسية الكبيرة أمرٌ في غاية الأهمية ويكتسب اهتماما كبيرا وعميقا من الرئيس ومجلس الوزراء لأنه يضع الدولة أمام امتحان عسير وخطير وشائك قد تتعقد فصوله في الأيام والشهور القادمة، لذلك كان لا بد من اتخاذ إجراءات عاجلة وفورية حتى وإن بدت في الظاهر غريبة نوعًا ما للمواطن العادي، ولا نستعجل في الحكم على الطريقة أو الوسيلة التي تم بها اعتقال شخصية ما، بل علينا أن نتريث لاستيقاء المعلومة الصحيحة لما يجري على الساحة السياسية.
ولا نبرّئ أي حزب سياسي يطمح لأن يكون الأعلى في الدولة ويأمل أن يتصدر المشهد السياسي في البلاد من القيام بأي أعمال مخالفة للقانون من أجل أن يحقق مبتغاه، وقد حدث ذلك في العالم فليس غريبا أن يحدث في تونس، وعلى الأمن الرئاسي أن يكون يقظا إلى أبعد الحدود وعلى الأجهزة الاستخبارية أن تفعّل عملها وعلى جميع المستويات اتقاءً لأي عمل إرهابي لا قدر الله.
وعندما نفهم سير عمل هذه الأجهزة ندرك حقيقة ما وقع بالأمس في تونس من احتجاز السيد نور الدين البحيري وفرض الإقامة الجبرية عليه، فقد يكون هذا الاحتجاز قد جاء بناء على معلومات استخبارية موثقة أن الرجل كان يخطط لأعمال انتقامية لا سيما وأنه في الفترات الأخيرة كان يرسل إشارات غير إيجابية إلى مؤسسة الرئاسة ويتهمها باتهامات مباشرة على ما يحصل في البلاد، وجاء الاحتجاز بعد أن حذّر الرئيس التونسي من أنّ هناك “ما يُدبَّر في تونس من مؤامراتٍ يصل إلى حدِّ الاغتيال”، داعيا إلى “الانتباه لما يُدبَّر من بعض الخونة، الذين باعوا ضمائرهم للمخابرات الأجنبية” وزاد في حديثه أنَّ “الذين باعوا ضمائرهم للمخابرات الأجنبية يخططون لاغتيال عددٍ من المسؤولين”، مشيرًا إلى أن “هناك مكالمة هاتفية لدى وزير الداخلية تتحدث عن يوم الاغتيال”.
فهو يتحدث هنا عن رصد مكالمة هاتفية بين شخصية أو شخصيات تونسية مع دولة أو دول أجنبية تتحدث عن إمكانية حدوث اغتيالات بالبلاد قد تطال رئيس الجمهورية وشخصيات سياسية أخرى، وهذه سابقة خطيرة جدا لأنها تضع تونس أمام منعرج جديد من المواجهة المباشرة، وتدخلها في نفق مظلم.
تهديدات السيد نور الدين البحيري
فهل يكون السيد نور الدين البحيري متورّطا أو مشتبها به في هذه القضية؟ خاصة وقد سبق وأن هدّد مؤسسة الرئاسة بالتحرك داخليّا وخارجيّا ردا على إجراءات الرئيس سعيّد فقال بالحرف الواحد: “سنتخذ إجراءات وتحركات داخليا وخارجيا لمنع ذلك” أي لمنع سريان القرارات الاستثنائية في يوليو من تجميد البرلمان وإعفاء رئيس الحكومة من منصبه، وإن لم تكن للبحيري صلة بهذا الموضوع فلِم وقع احتجازه الآن؟
وعادة لا يتحدث الرئيس بهذه الكيفية إلا عن أمر جلل رغم أنه في كثير من المناسبات يطلق كثيرا من المصطلحات التي تنبئ عن وجود خلاف عميق مع المنظومة الكاملة التي كانت تحكم قبل 25 يوليو، وهو بذلك يريد القطيعة الكاملة معها ويسعى إلى إنشاء تحالف ثوري جديد يغير الأوضاع جذريا في تونس.
شارك رأيك