في مواجهة الأزمة الحالية في تونس الكاتب يدعو إلى قيام قوة وطنية اجتماعية ديمقراطية تلعب دور البوصلة الوطنية الإصلاحية من خلال تقديم برنامج تأليفي “تصحيحي-ديمقراطي” تحضيرا لانتخابات 17 ديسمبر 2022 حتى لا نرجع بتلك الانتخابات – إن حصلت – القهقرى وحتى لا نذهب بها الى مشروع جديد يشبه في بعض محتوياته الهراء…
بقلم مصطفي العلوي *
كلّ منكم يزعم أن غايته نبيلة، وهذا من حقّه، ولكنّه لا يحققها بوسائل نبيلة ولا مع حلفاء نبلاء ولذلك لا تطلبوا منّا اصطفافا أعمى و من حقّنا نقدكم أو معارضتكم و من حقّنا التفريق عند نقدكم ومعارضتكم بيين أشكال النقد وأشكال المعارضة.
لا للديمقراطية الملائكيّة !
1- من يريد ‘تصحيحا’ للمسار الثوري عليه أن يصحّحه بوسائل ثورية ومع حلفاء ثوريين وليس بوسائل النظام السابق (وقوانينه -مثل قانون الطوارئ – التي هي بالمناسبة أسوأ من دستور 2014 الذي وقع تعطيله) وعليه ألاّ يكتفي بالاعتماد على أجهزة الدولة الصلبة ويتنكّر حتى للقوى السياسية والنقابية الوطنية التي ساندت “التصحيح” بينما يضطرّ للتفاعل مع القوى الدولية والمؤسسات المالية المانحة و عبر تمشّ فردي يكاد يدّعي “الديمقراطية الملائكيّة” التي تشيطن الخصوم وتؤثّم الأصدقاء والحلفاء بل و تتجاهل حتى بعض “أبناء المشروع” أو “مستشاريه” الأقرباء.
الديمقراطية لا تتحالف مع الشيطان
2- من يريد معارضة “الانقلاب” لا يقوم بذلك مع من كانوا سببا في حصوله بما ارتكبوه من تخريب وإفساد باسم الديمقراطية ثم ساندوه أصلا في الأيام الأولى خوفا أو طمعا وحتى تنصلا من بعض حلفائهم القدامى وقتيا – ثم عادوا اليهم وبعضهم قيادتهم هاربة من البلاد أصلا – ولسان حاله يكاد يقول إن “استعادة الديمقراطية” تبرّر حتى التحالف مع الشيطان وكأنّه مقدّر لنا في تونس ألاّ تكون الديمقراطية عندنا إلا “ديمقراطية شيطانية” ومكتوب علينا أن نبقى في دائرة الاختيار المرّ بين الطاعون و الكوليرا.
ليس مطلوبا منّا اليوم أن نصطفّ اصطفافا أعمى دون نقد ومعارضة لمناصري 25 جويلية أو لمعارضيه لأن اصطفافهم ليس بين ملائكة وشياطين أصلا، مع أنّه حسب رأيي لا معنى اليوم للعودة إلى ما قبل 25 جويلية ولكن دون تأثيم كل معارضيه (فمنهم الصادقون وإن أساؤوا التقدير) ودون تبرئة كل مناصرية (فمنهم الكاذبون وإن أحسنوا التقدير).
مخاوف حقيقية من مخاطر “البناء القاعدي”
يحتاج “التصحيح” اليوم تصحيحا ونقدا ديمقراطيّا هو الآخر، إذ هنالك أخطاء ترتكب في الوسائل و التمشّيات و هنالك مخاوف حقيقية من مخاطر “البناء القاعدي” وهنالك “رفقة سوء” استبدادية وذلك حتى لا نذهب الى المجهول باسم تصحيح المسار، و تحتاج “معارضة الانقلاب” بدورها إلى معارضة للمعارضة الفاسدة التي كانت قد انقلبت على الديمقراطية أصلا بأن أفرغتها من كل محتوى لها بما في ذلك المحتوى السياسي المحض غير الفاسد (بتحويله الى سياسوي) حتى لا نعود الى ما قبل 25 جويلية باسم “استعادة الديمقراطية”.
رأيي – الأقرب الى التمنى الذي يفيد المستحيل مع الأسف – هو أنّ الحلّ الآن يكمن في أن يلعب طرف ما – قد يكون اتحاد الشغل مثلا رغم مشاكله مع الرئاسة ومع المعارضة ورغم مشاكله الداخلية العبثية – دورا لتهدئة الأمور ولترشيد الصراع (الذي يخاض بوسائل وتحالفات غير مناسبة) وليس لنفيه وذلك تجنبا لعدم انفجاره بشكل يؤدّي الى الكارثة السياسية التي قد تنضاف الى الكارثة المالية والصحية، وإقناع “العقلاء” بضرورة توازي مسار “التصحيح” (الذي لا بدّ أن يتواصل ضدّ الفساد ورموزه السياسية والمالية) و مسار “العودة الى الوضع غير الاستثنائي” بكل رموزه الوطنية الاجتماعية الديمقراطية وفق خارطة الطريق التي سيكون يوم 17 ديسمبر 2022 آخر أجل لها على أن يكون ذلك التوازي مصحوبا بآلية للحوار بين كل من يقبل به مبدئيّا حتى “لا نعود الى الوراء” و حتى “لا نقفز في الهواء” في نفس الوقت…
أين البوصلة الوطنية الإصلاحية ؟
هذا رأيي باختصار في المشهد العام ودون تفاصيل. و لأنني أكاد أكون مقتنعا بما يفيد المستحيل تونسيّا الآن بسبب احتراف الجميع تبرير غاياتهم واعتمادهم كل الوسائل لتحقيقها و تماديهم في استعمال كلّ الحيل السياسوية بما فيها القوة الداخلية و الضغوطات الدولية تشفّيا في الخصم، وخوفا من الانسحاق الذي قد تولّده الأزمة الحالية في ظل استحالة ما ينتظره البعض من “ثورة جديدة”، سأكتفي بأمنية إصلاحية في شكل سؤال : هل من قوة وطنية اجتماعية ديمقراطية تلعب دور البوصلة الوطنية الإصلاحية من خلال تقديم برنامج تأليفي “تصحيحي-ديمقراطي” تحضيرا لانتخابات 17 ديسمبر 2022 حتى لا نرجع بتلك الانتخابات – إن حصلت – القهقرى وحتى لا نذهب بها الى مشروع جديد يشبه في بعض محتوياته الهراء…
أنا بين التشاؤل والتشاؤم بخصوص تونس بسبب ما أسمع وما أرى. وهذا النصّ مجرّد زفرة مواطن بعيد يحاول أن يكون صادقا مع نفسه ومع غيره وهو يقدّر موقفه من الوضع و قد يكون تقديره خاطئا و لكنّه لا ينتظر من أحد لا منّا ولا سلوى، فعذرا إن تجنبت التفاعل مع ما سأعتبره سجالا لنخبة بعضها (وليس كلّها بالتأكيد) يعبد مصالحه الواقعية الحيوية ويزينها بأفكاره الايديولوجية الميتة التي لا تخدم سواه وسوى المافيات في الداخل وفي ما وراء البحر و الصحراء، وبعضها الآخر يرصّف شعارات صادقة ولكن جوفاء لا تطعم الجائعين و لا تغني الفقراء! وإلى من يعتبر نفسه على حق تامّ ويسعتبر الدّعوة الى “التأليف بين التصحيح والديمقراطية” مجرّد دعوة توفيقية أو تلفيقية أقول على لسان الشعب : “كون صيد وكولني”، وعلى لسان عمر بن أبي ربيعة : “إنّما العاجز من لا يستبدّ”! …
* مدون كاتب و باحث مستقل.
3 جانفي 2022
شارك رأيك