بعد أن انفرد الرئس قيس سعيد بكامل صلاحيات السلطة التنفيذية برأسيها و كافة اختصاصات السلطة التشريعية، لم يبق له طبقا لمنهجه واعتقاده إلا أن يضم القضاء إلى ديوانه واختصاصاته و يجلس على منصات المحاكم.
بقلم القاضي أحمد الرحموني
من غريب المفارقات أن “يلتهم” قيس سعيد تقريبا جميع السلطات وأن “يقزم” القضاة إلى أدنى درجات الوظيفة! وحتى لا نسلبه خصوصياته، فقد أكد لنا في آخر ظهور له بمجلس الوزراء يوم 6 جانفي 2022 انه “لا يمكن أن يقول أحد… أنا الذي أضع القانون، هناك مشرع واحد وليس آلاف المشرعين”. ولا شك أنه يقصد بذلك نفسه بعد أن انفرد بكامل صلاحيات السلطة التنفيذية برأسيها و كافة اختصاصات السلطة التشريعية وأطرد جميع النواب المنتخبين ثم ألغى كل رقابة على مراسيمه وقراراته. وعمليا لم يبق له إلا الجلوس على منصات المحاكم، لذلك قد يبدو مشروعا له طبق منهجه واعتقاده أن يضم القضاء إلى ديوانه واختصاصاته!؟
هل علينا أن نلازم الصمت!؟
وربما يبدو مثيرا وسط هذا الانهيار المتدرج للمنظومة القضائية (الدستور، النيابة، المجلس الأعلى للقضاء، المحاكم..) إعلان قيس سعيد للجميع أن “لا وجود لدولة القضاة، هم قضاة الدولة!”ومن الواضح ان هذا الأسلوب “الدعائي” كثيرا ما يسبق خطة الإجهاز على الجريح التي استوفت في حالتنا شروط تنفيذها من خلال سلسلة طويلة من استنزاف الجسم القضائي من ذلك: التعليمات، الوضع تحت الإقامة الجبرية، التشويه، الضغط، التشهير، التهديد بكشف الملفات، التعرض للقضايا المنشورة وانتقاد قرارات المحاكم، الهجوم على المجلس الأعلى للقضاء واتهامه بالتسيس، تكليف وزارة العدل بتنقيح القانون الأساسي للمجلس… إلخ.
لكن الجديد في كل هذا هو أن قيس سعيد بقدر ما سمح لنفسه بالتدخل في القضاء نراه يرفض بشدة تدخل القضاة في انقلابه، رغم ان الانقلاب هو مفهوم قانوني (دستوري) يمكن أن يكون موضوعا للتحليل والتعقيب. فهو يؤكد في تشنج غير مبرر قائلا: “ما أسمعه وما أقرؤه وما احتقره وأزدريه في نفس الوقت! هو أن يتحدث قاض عن الانقلاب، ما دخله في مسألة الانقلابات أو غير الانقلابات! واجب التحفظ وواجب الحياد يقتضي أن يلازم الصمت ويطبق القانون بكل أمانة!”
احتقار وجهات النظر المخالفة
حقيقة لم نكن نتوقع خطابا أقل فظاظة أو أكثر انفتاحا من احتقار (أو ازدراء) وجهات النظر المخالفة، حتى أن القاضي الذي أصبح في عرف الرئيس مسلوبا من حق المواطنة لا يمكن له الحديث حتى في المسائل غير الانقلابية ! فالرئيس الذي يلقي علينا يوميا دروسا مجانية في الأخلاق يبشرنا (في نطاق إصلاح القضاء) بأن علينا، لا فقط الامتناع عن الحديث في الانقلاب و غيره، بل ملازمة الصمت وتطبيق القانون! بناء على واجب التحفظ والحياد! فهل يكون من الواجب على قضاة البلاد أن يصوموا عن الكلام حتى في مصيرهم و شؤون العدالة وحقوق المتقاضين وحماية الحريات وسياسة التشريع وتعطيل الدستور والانقلاب على مؤسسات الدولة!؟
شارك رأيك