لا تصدقوا كذبة أفريل الدائمة التي يطلقها أهل القضاء أنفسهم في تونس حول بحثهم و عزمهم على استرجاع هيبة القضاء لأنهم يعلمون علم اليقين أنهم من أضاعوا هذه الهيبة حين سقطوا في بئر قضاء التعليمات و قضاء السلطة و قضاء اللوبيات و قضاء الفساد و خدمة الأغراض الشخصية.
بقلم أحمد الحباسي *
لا تصدقوا هؤلاء السياسيين حين يتحدثون عن القضاء بالسلب أو بالإيجاب لأنه لا أحد منهم على الإطلاق يريد للقضاء خيرا أو يبغى أن يتحسن أو ينتزع سيادته و سلطته من بين أياديهم و نواياهم السيئة المتآمرة…
لا تصدقوا أن هناك حكومة أو حزبا أو نوابا يؤسسون لقضاء مستقل و لا تصدقوا كذبة أفريل الدائمة التي يطلقها أهل القضاء أنفسهم حول بحثهم و عزمهم على استرجاع هيبة القضاء لأنهم يعلمون علم اليقين أنهم من أضاعوا هذه الهيبة حين سقطوا في بئر قضاء التعليمات و قضاء السلطة و قضاء اللوبيات و قضاء الفساد و خدمة الأغراض الشخصية.
هل يمكن إصلاح القضاء من نفس هؤلاء الذين نعلم خيانتهم للقسم و للشرف و للمبادئ؟
هل يمكن رتق ثوب العفة و الشرف بمجرد عكاظيات نثرية يطلقها بعضهم على منابر الإعلام و في دوائرهم لغايات انتخابية بحتة ما عادت تخفى على أحد؟
لا توجد سلطة قضائية و لا ثقة شعبية في القضاء
هناك حقيقة مرة لم تعد خافية تقول أنه لا توجد سلطة قضائية و لا ثقة شعبية في القضاء بل هناك إيمان راسخ لدى الأغلبية أن المؤسسة القضائية برمتها لم تعد صالحة للقيام بدورها الأساسي في خدمة المتقاضى بل أصبحت للأسف الشديد مجرد مؤسسة خدمات و مقاولات طيّعة يستخدمها أصحاب النفوذ و الأحزاب و المال الفاسد للتشفي و ضرب الخصوم و انتزاع الحقوق بدون مبرر إلى آخر قائمة التجاوزات التي نراها في الإعلام و في كل المنابر.
لقد شكلت فضيحة القاضيان الطيب راشد و البشير العكرمى باعتبار موقعهما في القضاء المثال الأبرز لما وصل إليه القضاء من تعفن و فساد و خدمة الإرهاب و ضياع الحقوق و السقوط في تقديم الخدمات بمقابل و بدل أن يتبرأ الجميع من هذا المثال السوء انبرت أقلام “قضائية” معروفة بزئبقية مواقفها و “نضالاتها” المشبوهة في حملات تبرير للفساد و تبييض لهذين القاضيين الفاسدين تثير الغثيان.
ربما لا نتفق مع رئيس الدولة في حملته على القضاء دون تمييز أو دليل و ربما لا نرى أن تهديد كامل السلطة القضائية هو الحل لتطهير القضاء لكن بالمقابل لا نرى موجبا أن يخرج أحد السادة القضاة لإطلاق حملة مناكفة للرئيس أو تسجيل المواقف التي يعلم الجميع أنها مجرد عنتريات لفظية تعودنا بمثلها من بعض القضاة الذين يؤثثون الفضاء الإعلامي لأنه أولى بهؤلاء القضاة أن يسخروا جهدهم في دراسة هذا الكم الهائل من الملفات المتراكمة نتيجة قيامهم بإضرابات وحشية استنكرها الجميع طيلة السنتين الماضيتين خدمة لأغراض سياسوية و مطامح و مطامع غير مشروعة استماتوا في تحويلها إلى سبب معلن للانقطاع عن الجلسات و خدمة المتقاضيين و تكريس دولة القضاء العاجز.
من ظواهر الفساد المستشري في جسم القضاء العليل
لعل ما يميّز هذا القضاء العاجز هو ظاهرة فتح الأبحاث الجزائية التي تبقى مجرد أرقام بدون إنجاز و لا نتيجة رغم تعاقب السنوات إضافة إلى ظاهرة التعامل بمكاييل مختلفة مع تلك الشكاوى و ما تبين من ملف القاضي البشير العكرمى من كونه من يقوم بأفعال يندى لها الجبين لإضاعة الحقوق و التعتيم على الأدلة و التغاضي عن سرقتها من كتابة المحكمة كما حصل في واقعة سرقة الحاسوب الشخصي للإرهابي أحمد الرويسى أبرز عينة عن الفساد المستشري في جسم القضاء.
لقد شكلت قضية اغتيال المرحوم لطفي نقض على سبيل المثال لحظة تبين فيها كيف يمكن التلاعب بالنتيجة القضائية و بالأبحاث الطبية و بالرأي العام و بمؤسسة القضاء كل ذلك خدمة لحركة النهضة التي طالما تشدقت بحرصها على استقلالية القضاء كما لا يزال ملف إيقاف السيد شفيق الجراية لغزا قضائيا محيّرا و هو نفس الاستنتاج الذي يمكن الوصول إليه تجاه عدة ملفات أخرى لا تزال قيد الرفوف نتيجة التعليمات الفوقيّة الشريرة.
بطبيعة الحال هناك سؤال ملحّ يتحدث عن دور المجلس الأعلى للقضاء أو نقابة القضاة أو غيرهما من الأجسام القضائية و التي تبين أنها مجرد مؤسسات ديكور لا تخدم القضاء بقدر خدمتها لأغراض بعض القضاة كما كشفت قضية السيد الطيب راشد حجم الصراعات المحمومة داخلها بحيث طغت خدمة أغراض الأحزاب و بالذات حركة النهضة على خدمة مشاكل القضاة.
أيضا لا يجب أن ننكر وجود حالة من العداء المغلفة بعبارات الود المغشوش بين هيئة القضاة و عمادة المحامين تنعكس يوميا في هذا الكم الهائل من التوترات و الخناقات في مختلف محاكم الجمهورية.
حركة النهضة تسللت إلى القضاء وأتمت السيطرة عليه
هل تورطت حركة النهضة في الاغتيالات التي حصلت؟ لعله السؤال و العنوان الأبرز الذي لا يزال بلا جواب لكن من الواضح أن وجود مقر القطب القضائي لمكافحة الإرهاب و القطب القضائي و المالي لمكافحة الفساد و وجود محكمة التعقيب و محكمة الاستئناف و محاكم تونس الكبرى و التي تنظر في الثلاثة أرباع القضايا المتعلقة بالفساد و الإرهاب قد جعل حركة النهضة تتسلل إلى المرفق القضائي بحيث تمت السيطرة عليه فيما أطلق عليه “قضاء نورالدين البحيرى” وهي مجموعة من القضاة عهد إليها التعامل بمنتهى السلبية مع كل القضايا و الشكاوى المرفوعة ضد الحركة و لذلك لا يزال الجميع على قناعة أن كشف حقيقة الاغتيالات السياسية هو من سابع المستحيل.
ربما نص الفصل 102 من الدستور على أن القضاء سلطة مستقلة تضمن إقامة العدل و علوّ الدستـــور و سيادة القانون و حماية الحقوق و الحريات و القاضي مستقل و لا سلطان عليه في قضائه لكن من الثابت أنه لا أحد في هذا الهيكل مؤمن بهذا الشعار.
* كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك