الناشط السياسي الماركسي الراديكالي رضا شهاب المكي شهر “رضا لينين” في الحراك الجامعي لثمانينات القرن الفائت يدعى اليوم من طرف وسائل الإعلام على أساس أنه من منظري “البناء القاعدي” و الديمقراطية المباشرة” و “سحب الوكالة” من طرف “الشعب الذي يريد” و غيرها من الشعارات الرنانة التي ما انفك يدعو لها الرئيس قيس سعيد و يؤسس عليها مشروع الإصلاحات السياسية التي ينوي فرضها في تونس. هل تونس تسير اليوم القهقرى ؟
بقلم محجوب لطفى بلهادي *
من كان يصدّق للحظة أنّ بلاشفة الأمس مازالوا فى عداد الأحياء وأنّ رموز الفكر المادى الجدلى التى خلنا أنهم حجزوا مكانا لهم في احدى مزارات التاريخ المعلنة وغير المعلنة يطلّون علينا من جديد على أديم أرض قرطاج وفق طقوس احتفاء رسمية؟ ومن كان يمكن ان يتخيّل أن تطفو أطروحات سبعينات وثمانينات القرن الماضى المغرقة فى الرومانسية الثورية من جديد وبقوة وان يحتل لينين ومن بعده ستالين فى صيغتهما التونسية صدارة المشهد السياسى فى العقد الثانى من الألفية الثالثة ؟
بالفعل ما يحدث اليوم مستفزّ ومٌحيّر بجميع المقاييس يتخطى حدود السريالية بعدة سنوات ضوئية جعلتنا فى مفترق من الفرضيات لفهم ما يجرى وما سيجرى !
منصات للإرباك المجتمعي
الفرضية الأولى : قد تكون مجرد مصادفة تاريخية لا غير على غرار “مصادفة وجود ستالين المزعجة” على حد تعبير ليون تروتسكي،
الفرضية الثانية: قد تكون شكل من أشكال تناسخ الأرواح وفق المعتقدات الهندوسية والبوذية.
الفرضية الثالثة : قد تكون نتيجة حتمية لمجتمع فايسبوكي تديره مجموعات ملثمة تنتمى إلى جيل جديد يٌجيد استنباط الخوارزميات واستخدام تقنيات الاختراق والبلوكشين والعملات الرقمية، لا يعترف بالتراتبية ولا بنظرية الفصل بين السلط ولا العقد الاجتماعى، فالفضاء الأزرق تحكمه نواميس القوة على شاكلة تنين Léviathan لتوماس هوبز.
التنين الهوبزي يتكون من”أفراد منفصلين، يتمتعون بقوة مطلقة، فلا يُدمَّرون ولا يُقسَّمون، ويبثون الخوف في الرجال، إنهما لا يبرمان الأحلاف مع الرجال، بل يسيطران بالقوة” يٌمسك بين أذرعه الأخطبوطية جميع السلط دون الحاجة إلى أجسام وسيطة أو حواجز مؤسساتية متكلّسة، نجح فى استعاضة أسرته القاعدية البيولوجية بنسيج افتراضي شديد التشبيك يحتل فيه “الأب غوغل” و”الأم “فايسبوك” موقعا رياديا وفى تغيير وجهة منصات التواصل الاجتماعى من أداة احتجاجية أسهمت فى إسقاط نظام بن علي سنة 2011 إلى منصة للإرباك المجتمعي…
ساحة تدافع بين رفاق الأمس خصوم الغد
وفى انتظار اكتمال باقى عناصر اللوحة البلشفية التونسية، فإنه قد تكون باقى الشلّة من تروتسكي وكامينييف وزينوفيف وبوخارين ورفيقتهم روزا ليكسموغ (طبعا فى نسخة تونسية) قريبة جدا منا دون أن ندرى، وأن المناظرات الفكرية المثيرة التى عرفتها الأدبيات الماركسية طيلة بداية القرن الماضي لم تعد، فى الحالة التونسية، حلبة لعصف الأفكار والمفاهيم والتصورات بل ساحة تدافع بين رفاق الأمس خصوم الغد.
دعونا ننتظر ونرى…
* متخصّص فى التفكير الاستراتيجى.
مقال للكاتب في نفس الموضوع:
تونس : رضا “لينين” والسقوط المٌدوّى من “حجرة سقراط” !
شارك رأيك