التصعيد الحالي حول ما سمي بقضية البحيري ليس من أجل القضاء أو إصلاح المرفق القضائي بل من أجل شخص نور الدين البحيري أو زوجته سعيدة العكرمي و هما محاميان من حركة النهضة أو أي شخص سياسي مرموق آخر، المهم انه ليس في صالح المواطن التونسي الذي وضعوه في قلب الرحى، في قلب معركة لا تعنيه، لا ناقة له فيها و لا جمل…
بقلم توفيق زعفوري *
بعد تصريحات الرئيس قيس سعيد و تحذيراته و تلميحاته في مناسبات عديدة بضرورة تطهير القضاء و التعويل في ذلك على القضاة الشرفاء، و بعد ردود الفعل المستنكرة من القضاة أنفسهم و استنكار الإصلاح بالمراسيم ، يبدو أن الرئيس قد نجح في تحويل معركة القضاء لصالحه، و تفيد المؤشرات أن أهل القضاء يقبلون إعادة تنظيم أو إصلاح المجلس الأعلى للقضاء شريطة ألاّ يكون من الخارج و أن يكون أي إصلاح من داخل البيت ما يوحي بتماسك المنظومة رغم حالات الوهن الداخلي، إذ لا يبدو الرئيس على اقتناع تام بالخطوة الورائية التي أخذها، ما جعل القضاة يتمترسون و يتمسكون باستقلالية السلطة الرابعة و بهيبتها، و كأن المجلس الأعلى للقضاء من المقدسات، لا يجب المساس به…
القاضي موظف في الدولة و ليس سلطة فوق الدولة
و من هنا يأتي موقفه المتصلب من إيقاف الرجل الثاني في النهضة نور الدين البحيري بل أنه حمّله مسؤولية ما يحصل له إن هو أمعن في ابتزاز الدولة و القانون بافتعاله إضراب جوع أو امتناعه عن تناول دوائه، خاصة بعد توفر جميع ضمانات الإيقاف، ثم لماذا يعتبر البحيري أو غيره أنهم فوق القانون و فوق المحاسبة لمجرد أن يصلهم استدعاء أو يتم إيقافهم لسبب أو لآخر حتى تقوم الدنيا و لا تقعد!؟
لماذا يعتبر هؤلاء و غيرهم أنهم فوق مستوى الشبهات و هم من البشر خطاؤون!؟
لماذا يحاولون ابتزاز العدالة و الاستقواء عليها فقط لأنهم من الساسة و من الذين تحميهم حصانة أساؤوا فهمها و توظيفها؟
ألا يعتبر هؤلاء الساسة و أصحاب القرار و النفوذ ممن يسيئون للعدالة من خلال تهميشها و التعالي عليها!؟
كيف يعتبر هؤلاء أنفسهم أنهم يختلفون عن باقي التونسيين، الآن و قد جاء من يعدّل كفّة الميزان، ألا يمكن اعتبار ذلك مؤشرا على تساوي الناس جميعا أمام القانون حتى و لو كانت الأساليب أكثر حدّة!؟
يعتبر أهل القانون أن الرئيس قيس سعيد قد تدخل في القضاء، القضاء الذي فشل في تطهير نفسه و قد كان طليقا لا رقابة عليه طوال سنوات و لا سلطان، حتى فاحت روائح الفساد من عليائه و مع ذلك لم يبادروا بتنقية الأجواء، بل استمرت دار لقمان على حالها، بل أكثر من ذلك، فقد عقدوا اتفاقا مع حكومة هشام المشيشي بليل و بعد شهر من العطالة، وقع اتفاق بزيادات مجزية جدا و على خلاف الصيغ القانونية، حتى إن الاتفاق لم ينشر في وقته و كأنه صفقة سرية !
ليست غاية هذا المقال التشفي من أي كان، و لكن إبراز أن من تطاله العدالة، لم يفكر في لحظة السقوط و أن من يؤمن بالعدالة لا يستعطف التونسيين، و لا يجيش التونسيين و لا يحاول ابتزاز المؤسسات و الضغط عليها فقط لأنه من علية القوم أو من صفوف الأولى للأحزاب السياسية.
أخذ الناس على التقاتل من أجل شخص مطلوب للعدالة
ثم إننا لا نفهم تجييش بعض المحامين ضد السلطة القائمة و أخذ الناس على الاحتراب و التقاتل من أجل شخص واحد مطلوب للعدالة، لازالت العدالة لم تقل فيه كلمتها، هؤلاء يثقون في القضاء، و لكن يضغطون عليه في نفس الوقت و يبتزونه إن لزم الأمر، وهذا يدخل تحت طائلة القانون و يعاقب عليه و الضحية دائما ال”نحن” من أجل من؟ من أجل فئة قليلة جدا أو حتى من أجل شخص واحد…
واضح إذن أن التصعيد سياسوي ليس من أجل القضاء أو إصلاح المرفق القضائي بل من أجل شخص نور الدين البحيري أو زوجته سعيدة العكرمي و هما محاميان و قياديان في حركة النهضة أو أي شخص مرموق، المهم انه ليس في صالح المواطن الذي وضعوه في قلب الرحى، في قلب معركة لا تعنيه، لا ناقة له فيها و لا جمل…
صراع المحامين ينضاف إليهم البحيري و زوجته مع رئيس السلطة التنفيذية و القضاة، هو صراع من أجل عدالة الميزان الذي فيه صلاح الأمة، فالعدل أساس العمران، و ان كان لا بد من معركة أو ثورة من أجل صلاح العمران، فلا يجب أن تتأخر أكثر…
ردود فعل الرئيس لم تتأخر، بل أمعن في التصلب و أكد أن ليس هناك قضاة الدولة، بل هناك قضاة يعملون داخل الدولة، ما يعني أن القاضي هو موظف لدى الدولة و لا سلطة تعلو على سلطة الدولة.
* ناشط و محلل سياسي.
شارك رأيك