ننشر في ما يلي الحلقة الأولى من الدراسة التي أعدها مرصد رقابة حول “منظومة دعم المواد الأساسية : ارتفاع قياسي لكلفة دعم المواد الأساسية في ميزانية 2022”. الموضوع لا يلقى شعبية لدى الرأي العام التونسي لكن هذه المنظومة تنهك الاقتصاد الوطني في تونس و تلتهم جزءا كبيرا من ميزانية الدولة التي كان بالإمكان توجيهها للاستثمار في القطاعات الحيوية من تعليم و صحة و نقل … و في تحسين البنى التحيتية المنهارة. و لا يمكن لهذا الوضع أنت يتواصل…
إلى متى يتواصل إهدار المال العام بعنوان دعم المواد الأساسية والحال أن جزءا كبيرا من تلك الاعتمادات يذهب إلى جيوب المضاربين والمهربين؟
شهدت كلفة دعم المواد الأساسية ارتفاعا قياسيا من 2021 إلى 2022 بنسبة 71,5٪. حيث ارتفعت من 2200 مليون دينار إلى 3771 مليون دينار، رغم تعهدات الحكومة التونسية تجاه صندوق النقد الدولي المضمنة بالوثيقة المسربة (التي قام مرصد رقابة بنشرها بتاريخ 22 ديسمبر 2021) بالقيام باقتصاد في نفقات دعم المواد الأساسية ب 400 مليون دينار (وهو ما كان يفترض التقليص في
الاعتمادات مقارنة بسنة 2021).
وهذه الزيادة تمثل رقما قياسيا في تاريخ الدولة التونسية. حيث فاقت الزيادة من 2021 إلى 2022 (1571 م.د.) جملة الزيادات في كلفة الدعم من 2010 إلى 2021 (1453 م.د.).
وبهذه الزيادة القياسية ارتفعت نسبة نفقات دعم المواد الأساسية من جملة نفقات ميزانية الدولة من 3٫96 ٪ إلى 6٫58 ٪.
في المقابل تراجعت تقديرات نفقات الدعم المتعلقة بالمحروقات في 2022 (2891 م.د ) مقارنة مع 2021 (3327 م.د) أي بنسبة تقدر ب 13 ٪. ولكن هذه التقديرات مرتبطة بفرضية سعر برميل النفط التي انبت عليها ميزانية 2022 أي 75 دولارا للبرميل وقد تجاوزنا منذ اليوم الأول لسنة 2022 هذه الفرضية (اليوم سعر برميل برنت في حدود 81 دولار. والسعر مرشح لارتفاع كبير حسب تقديرات عديدة اطلعنا عليها في الصحافة الدولية المتخصصة).
وبالعودة إلى تفاصيل الارتفاع القياسي لدعم المواد الأساسية، يتبين لنا أن الزيادة حصلت أساسا في المواد التالية :
الحبوب: حيث ارتفع الدعم من 2021 إلى 2022 من 1604م.د الى 3025 م.د أي بحدود 89 ٪.
الزيت النباتي: حيث ارتفع الدعم من 290 م.د الى 480 م.د أي بزيادة قدرها 190 م.د أي بنسبة 66 بالمائة.
سيتم تبرير الزيادة بالارتفاع الكبير في الاسعار العالمية للحبوب والزيت النباتية خلال السنة الماضية. ولكن الأكيد أن الزيادة القياسية التي تتزامن مع نقص للمواد المدعمة في السوق المحلية تعود أيضا وأساسا إلى ضعف حوكمة هذين القطاعين وغياب أي رؤية لاصلاح مسالك التوزيع وللتصدي لكل التجاوزات الخطيرة والتلاعب بمنظومة الدعم. رغم أن قانون المالية لسنة 2022 تضمن نفس الجملة الفضفاضة الموجودة في أغلب قوانين المالية طيلة العشرية الماضية:
“اتخاذ تدابير جديدة قصد مزيد ترشيد دعم المواد الأساسية والتحكم فيه وتشديد المراقبة على مسالك التوزيع للحد من ظاهرة التهريب وذلك في انتظار إرساء منظومة الدعم المباشر لفائدة الفئات الاجتماعية المستحقة ”.
والخلاصة أنه رغم كل الوعود بالاصلاح وبتجاوز أخطاء منظومة الحكم السابقة، لم يتم تقديم أي تصور بديل لإصلاح منظومة الدعم بل زادت الوضعية سوءا بتضاعف حجم الدعم مع انقطاع المواد الأساسية وزيادة الاحتكار والغلاء.
في الحلقة القادمة، نقدم لكم خلاصات العمل الذي قام به فريق مرصد رقابة بتجميع ومقارنة كل الأرقام والاحصائيات المتعلقة بدعم المواد الأساسية والمحروقات للفترة من 2010 إلى 2021 بالاعتماد على الوثائق الرسمية للدولة التونسية ومنها كل ميزانيات البلادوقوانين المالية العشرية الماضية (أنظر أعلاه). حيث سنقدم الجداول البيانية المتعلقة بتلك الفترة والاستخلاصات الأولية التي توصلنا إليها عبر مقارنة الاجراءات التي تم الاعلان عنها خلال العشرية الماضية بغاية ترشيد الدعم ومدى النجاعة في إنجاز تلك الاجراءات.
شارك رأيك