ما الذي سيحدث اليوم الجمعة 14 جانفي 2022 بعد أن توعّدت المعارضة رئيس الجمهورية قيس سعيد بمظاهرات صاخبة للمطالبة بتنحّيه كما حدث في 14 جانفي قبل إحدى عشرة سنة من الآن؟ في ذلك اليوم انتفض الشعب التونسي في وجه الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي مطالبينه بالتنحي الفوري رافعين شعار “إرحل” وكان الرحيل إثر هذه الانتفاضة الشعبية، فهل يعيد السيناريو نفسه في هذا اليوم أم أن الأمر مختلف تماما عما كان عليه قبل التغيير؟
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
لقد تحرّرت تونس من ديكتاتورية منذ 11 عاما، وشعر الشعب التونسي -الذي كتم أنفاسه النظام السابقي- بالحرية وتنفس الجميع الصعداء، وأكثر ما كان ينشده آنذاك هو الحرية التي نالها بعدئذ، غير أنه اصطدم بأن الحقبة التي تلت هروب بن علي كانت غير قادرة على إسعاده بل زادت من معاناته على جميع المستويات، وأطبقت عليه من جميع الجهات، فحدث اختناق كبير شبيه باختناق النظام نفسهي، فكانت الانتفاضة الثانية في 25 جويلية الماضي حيث خرج الشعب التونسي من تلقاء نفسه يطالب رئيس الجمهورية بالتغيير وقطع العلاقة مع نظام ما بعد الثورة.
جبهات تطالب بالرجوع إلى الوراء باسم الديمقراطية
ثم جاءت القرارات الاستثنائية متنفسا بعد حالة من الجمود السياسي والتدهور الاقتصادي والاحتقان الاجتماعي، وكان ينبغي على رئيس الجمهورية أن يفعل شيئا ولا يبقى يتفرج أمام مهازل البرلمان وصرخات المجتمع، وهو الذي كان لا يملك إلا هذه الصلاحية في ظل دستور 2014 الذي جمّد صلاحيات الرئيس ومنح رئيس الحكومة السلطة التنفيذية، لكن هذا التحول الذي حدث في 25 جويلية لم ينطلق بسرعة كافية تجعله يتفوق كليا على الجبهات المطالبة بالرجوع إلى الوراء، فكان الاصطدام مرة أخرى.
وحيث إن الوقت يمر، والأحداث تتسارع في الفترة الأخيرة، والكل يريد أن يكسب الوقت، مع ضغط كبير من المعارضة التي جرّبت كل شيء من التظاهر إلى حرب الأمعاء الخاوية إلى الاستقواء بالخارج من جهة، ومواجهة من مؤسسة الرئاسة لها وكشف ملفات كانت مدفونة في القضاء، ولم يتحرك للبت فيها في الوقت المناسب من جهة أخرى، يبدو أن الشعب التونسي في الفترة الحالية يعيش حالة من الانقسام غير التي كانت في الرابع عشر من جانفي 2011م، ورغم ذلك لا ندري ما الذي سيحدث في الرابع عشر من جانفي 2022، فبينما يدعو المنصف المرزوقي وحركة مواطنون ضد الانقلاب وحركة النهضة وبعض الأحزاب السياسية الأخرى إلى العصيان المدني والتظاهر يوم غدٍ الجمعة تنبري مجموعات أخرى إلى كشف ملفات خطيرة تمسّ حركة النهضة بالأساس وبعض السياسيين البارزين كالمنصف المرزوقي ويوسف الشاهد وإلياس الفخفاخ وحمة الهمامي وغيرهم.
معارضة تحاول استعادة مصداقية فقدتها من زمان بعيد
ما سيحدث اليوم ربما يكون خطيرا، وربما يكون عاديا، وربما لن تحدث مظاهرات بعد أن اتخذت السلطات التونسية قرارات بعدم التجمع إثر تسارع الإصابات بفيروس كورونا أو أوميكرون في الفترة الحالية وحظر التجول خلال أربعة عشر يوما القادمة مما يجعل الأمور تسير نحو الأسوأ كما يبدو، ولن تهدأ المعارضة التي تسعى بكل السبل إلى إسقاط الرئيس قيس سعيد وإحباط قراراته حتى ترى حكم رئيس الجمهورية ينهار أمامها، لأنها بدأت تفقد سُمعتها – إن كان لها سمعة أصلا – وبدأت تشعر بأن مؤسسة الرئاسة تستهدفها من خلال ما يطرحه رئيس الجمهورية من موضوعات تمسّ حراكها السياسي في تونس سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات.
وهكذا يبدو المشهد السياسي في تونس بين معارضة تخترع سيناريوهات ترى فيها أن الرئيس خرق الدستور أو تجاوز صلاحياته الممنوحة له أو حاول صناعة ديكتاتورية جديدة وتساندها في ذلك وسائل إعلام تنشر ما تعتقده بلا تحقق ولا تثبت كقناة الجزيرة التي ما فتئت تتحدث عن هذا الموضوع يوميا وبإسهاب، وبين مؤسسة الرئاسة التي تحاول أن تتقدم خطوات إلى الأمام وتكشف المستور للشعب التونسي حتى يعرف من كان يحكمه طيلة العشرية الماضية، وتكشف حقيقة السياسيين الذين شنّفوا آذاننا في السنوات الماضية بحبّ الوطن والدفاع عنه وهم منغمسون في الفساد إلى أخمص أقدامهم.
هكذا تبدو حلبة الصراع بين الطرفين، فمن سيفوز بالضربة القاضية؟ المعارضة بكل صنوفها أم مؤسسة الرئاسة وما تحمله من توجهات جديدة لمواجهة التيار الذي يقوى يوما بعد يوم، أم لا أحد سيفوز ويبقى المشهد على حاله كما كان ويزداد توترا خلال الشهور القادمة؟
* محلل سياسي.
شارك رأيك