بعد مرور 11 عاما عما سمي بثورة الحرية و الكرامة، يوم سقط نظام بن علي، في 14 جانفي 2011، ليس لدينا أيّ إجابة على هذا السّؤال الافتراضي في العنوان، فلا نملك بلورة سحريّة لقراءة المُستقبل، والتوقّع بأحداثه، ولكن ما يُمكن أن نقوله الآن و هنا أن الحقيقة النسبية الوحيدة القائمة في ذهني حاليًا أن البلاد قبل 25 جويلية 2021 كانت في حاجة للإنقاذ وهي بعد هذا التاريخ لا زالت في حاجة للإنقاذ أيضا، وما عدا ذلك، تبقى كلها مقاربات وانقسامات وآراء وجدل عقيم في أغلب الأحيان لينزل إلى ما دونه من سبّ و شتم في أحيان أخرى وإن كنا نرفض دون مؤربة أي تعد سافر أو تضيق على الحقوق و الحريات الجماعية و الفردية حتى لمن لا يشاطرورنا الأفكار السياسية و التوجهات المجتمعية، فالأحرى بنا أن نحفظها لهم قبل غيرهم في مثل هذا الظرف الدقيق الذي تجتاز رماله المتحركة بلادنا تونس.
بقلم طه عبد القادر العلوش *
إن ما نعيشه اليوم على الساحة الوطنية التونسية من مناكفات ومناورات سياسية لم يخرج عن بدايات الثورة. حينها كانت النخبة السياسية الجديدة بكل أطيافها تحاول أن تجد موطئا لها في الفضاء العام والمؤسساتي عن طريق التدافع والسيطرة أو بالأحرى الهيمنة المقيتة.
كان الجوّ العام في تلك اللحظة الفارقة ولا يزال يسوده الشك والريّبة والغياب التام للثقة بين مختلف الفاعلين السياسيين.
كانت حينها كل محاولة أو مبادرة للخروج من فوضى ما بعد الثورة نحو إرساء و بناء أركان الجمهورية الثالثة محل شك ورفض مباشر، حتى وإن كانت هذه المبادرة سوف تُخرج أكثرية من الشعب التونسي من الفقر وتجعل من اقتصادنا مثيلا لاقتصاديات الوفرة النامية.
النخبة السياسية تراوح مكانها في حلقة الصراعات الأيدولوجية المفرغة
بعد أحد عشر سنة من اندلاع الثورة وبعد محاولة تصحيح المسار في 25 جويلية الفارط، ما تزال النخبة السياسية تراوح مكانها وكأنّها، ومن ورائها الشعب المغلوب على أمره، تدور في حلقة الصراعات الأيدولوجية المفرغة والترذيل المتبادل شعارهم في ذلك تحطيم المعبد على من فيه رغم أن الحسّ السليم يقول إن الحيلة في ترك الحيّل. فما الذي منع السياسيين بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم خلال العشرية الأخيرة من الاتفاق حول إرساء الهيئات الدستورية التي بقيت الحلقة الأضعف في مسار الثورة و بناء جمهوريتها الثانية ؟ أو حتى الشروع في الانكباب على إيجاد الحلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والتي في جزء كبير منها هي مرتبطة بمتغيرات دولية ومناخية وآخرها وبائية لا يمكن لأي دولة مهما كانت درجة جاهزيتها التنبؤ بحدوثها.
يقول الباحثون في تاريخ الانتقال الديموقراطي ان عشر سنوات تعتبر فترة زمنية قصيرة نسبيا حتى تتمكن الدولة من الاستقرار وبناء مؤسساتها الدائمة وهيئاتها الدستورية خاصة إذا كانت الأحزاب نفسها، عماد الحياة السياسية الديموقراطية، غير مستقرة. إن ما هو مقدور عليه في هذه الحالة على الأقل وحتى لا نتحول الى دولة فاشلة تسوسها المافيا هو التوافق حول مشروع وطني قوامه مقاومة الفقر والفساد وتثبيت أركان الديموقراطية التي لا يمكن اختزالها في إجراء انتخابات حرة ونزيهة.
إن الذهاب إلى صناديق الاقتراع بصفة دورية تعد عملية ضرورية دون أن تكون كافية في مسار طويل لا يجب ان يحجب الغابة، لأنه لا معنى لانتخابات تدار في بلد تكون فيه حرية الصحافة مهددة بالتراجع في كل لحظة وفي ظل مجتمع مدني محاصر وأحزاب فقدت شيئا فشيئا رأسمالها الرمزي تجاه ناخبيها وقضاء تابع او ما نسميه إصطلاحًا بقضاء التعليمات.
مسرحية سمجة غايتها ذر الرماد على العيون
إن أركان الديموقراطية الراسخة منذ منتسكيو إلى يومنا هذا ترتكز أساسًا على مبدأ الفصل بين السلط و خاصة على تواجد سلط تعديل مضادة و مستقلة. يمكن أن نستعمل الخطاب المزدوج ذاته حتى نبيع للعالم ما يريد شراءه في سوق نجاحات التجربة التونسية كيافطة لدول الربيع العربي، بيد أن ذلك لن يغير في واقع الأشياء بل يبقى مجرد مسرحية سمجة غايتها ربح الوقت وذر الرماد على العيون.
لو طبقنا حسابات الربح و الخسارة و كنا نوع ما براغماتين كغيرنا من دول العالم الحرّ الذي تَعلم من تجاربه عبر التاريخ احترام عامل الزمن وفهم قيمته التي لا تُعوض، ألم نكن سندّخر جهودنا حكومة و رئاسة و برلمانا و شعبًا ؟
نختم بالقول أننا لا نقبل البتة بسقف أقصى مُسبق لعملية الإصلاح السياسي و الاقتصادي المزمع إنجازه في بلادنا فقد حان الوقت لتحطيم تلك الاصنام المتجمدة والتي لم تنفك على إعادة إنتاج واجترار نفس الجوهر ولو بإخراج متجدد بوصلتنا اليوم متجهة نحو أُفقٍ أرحب قوامه الرئيس تكافئ الفرص و حفظ كرامة الإنسان أين ما كان و هدفها الأسمى يرنو الى مجتمع القانون ومنه فمن الأفضل للجميع في المرحلة المقبلة أن نتقدم سويا للتصحيح الأخطاء المتراكمة و محاولة إعادة البناء الصلب من جديد حيث أن عقارب الساعة لا يمكن أن تعود إلى الوراء ابدًا…
*طبيب وناشط سياسي
شارك رأيك