لست أبدا ممن يسند المنع تحت أي ذريعة، أو يقبل ان يتم وضع قيود مجحفة على حرية الرأي والتعبير أو التعدي عليهما. وبمناسبة ذكرى 14 جانفي 2011 المجيدة كان بالامكان أن يفسح المجال يوم أمس الجمعة 14 جانفي 2022 للتظاهر لمن رغب، بما في ذلك أولائك الذين اعتدوا بفظاعة على هذا الحق في السابق: أذكر 9 افريل 2012 مثلا الذي عايشته…
بقبم فتحي الهمامي *
ما حدث بالأمس في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة تونس من ناحية وقوع بعض التضييق على حرية التظاهر غير مقبول مبدئيا. إذ في ذلك مس من حقوق انسانية ومن مبادىء دستورية. وهذا لا يفيد -بالطبع- البلاد واستقرارها، ولا تستفيد منه (سياسيا) سوى تلك القوى المسؤولة طيلة عشر سنوات عن قائمة طويلة من الانتهاكات لما كانت في السلطة. لذا انقض هؤلاء على المناسبة يستغلونها، ولبس رموزها من جديد رداء المظلومية. وراحوا يتباكون على تلك “الديمقراطية” المفقودة.
الإسهال اللغوي في توصيف الوقائع
ولعل التوصيفات التي أطلقوها على وقائع 14 جانفي 2022 : “عنف بوليسي مفرط”، “قمع”، “اعتداءات غاشمة” وغيرها من التعابير التحشيدية، وهي أنكى وأشد من الماء أو الغاز الذي أطلق على المتظاهرين، كافية وزيادة للاستدلال على أن ذلك يدخل في باب سعيهم لتحصيل بعض المكاسب السياسية وأظنها واهية، او استدرار القليل من العطف كانوا فقدوه كليا. ولكن أن ينساق البعض من العناصر الديمقراطية إلى تبني هذا الخطاب دون ترو أو تمحيص، وإلى الإسهال اللغوي في توصيف وقائع الأمس، فهذا غريب منهم.
فهل ما حصل أمس من تعطيل للحق في التظاهر هو فعلا قمع وعنف بوليسي مفرط واستعمال غير متناسب للقوة؟ وكأننا في أعتى الأنظمة الاستبدادية؟ وهل تحولت العاصمة بالأمس من تونس إلى الخرطوم أو أم درمان السودانيتين؟
أم أن الأمر يتعلق فقط ببعض التجاوزات وبمنع فيه استعمال للقوة الشرعية في حدود المعقول؟ أظن أن الموضوعية تقتضي منهم ان يكون حكمهم قائما على تقارير الرصد والتوثيق وإحصاء الاضرار والضحايا (إن وجدوا). وذلك بالاعتماد على الملاحظة المباشرة على الميدان وعلى النظرة الشاملة له، وهذا بالطبع عمل مناط بعهدة الهيئات الحقوقية الوطنية. أما أولائك البكائين فعليهم – في انتظار المحاسبة العادلة- ان يكشفوا عن خفايا انتهاكات خطيرة اقترفت في عهد حكمهم.
* حقوقي.
شارك رأيك