مَنْ يُمسك بالعصا بالوسط في تونس و يعمل على تهدئة العواصف التي بدأت تموج كأمواج البحر العاتية، حتى لا يزداد المشهد السياسي سخونة، خاصة و أن قرارات الرئيس قيس سعيد تثير ردود فعل عاصفة لدى المعارضة التي ما انفكت تقوي صفوفها و إن ظلت إلى اليوم منقسمة بين حركة النهضة الإسلامية و معارضيها من الأحزاب الليبرالية و اليسارية.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
الرئيس قيس سعيد يريد أن يُثبت للتونسيين أنه ماضٍ في قلع الفساد من جذوره ومحاسبة الفاسدين أيا كان موقعهم السياسي ونفوذهم المالي، ومحاربة الاحتكار والتهريب والتهرب الضريبي أيا كان نوعه لتحقيق موازنة مالية للدولة التي فقدت الكثير من وزنها المالي والاقتصادي طيلة السنوات الماضية ولم تعد قادرة على تحقيق التوازن المطلوب، فالقدرة الشرائية للمواطن التونسي تدهورت بشكل كبير والخوف كل الخوف من الوصول إلى الحالة اللبنانية التي بدأت ترتعش من الفقر والجوع بفعل عوامل اقتصادية واجتماعية وأخرى جيوسياسية.
مشهد سياسي يتسم بالانقسام الشديد
لكن الذي يرى هذا المشهد، يدرك مدى التضارب الشديد بين فريقين، يرى كل منهما أنه الصحيح والآخر على باطل، ولا يتنازل أي منهما للآخر ظنا منه أنه في موقع وفي موقف لا يخول له التراجع أو الاستسلام، فبينما تعتبر حركة النهضة وأتباعها أن الديمقراطية في تونس انهارت، يرى الرئيس قيس سعيد أن تونس ينبغي أن تتغير إلى الأفضل ولا بد أن يحقق للشعب ما وعد به خلال فترته الانتخابية، فقد وعد أن يقف إلى جانب الطبقة المقهورة والمطحونة كما يحب أن يسميها في وجه المحتكرين والفاسدين والمتحايلين، ويطلب من القضاء دوما أن يقوم بدوره في متابعة ومحاسبة هؤلاء الذين تمادوا في استغلال نفوذهم سواء المالي أو المنصبي لتحقيق مآربهم ومصالحهم على حساب طائفة كبيرة من الشعب التونسي.
فلا الفريق الأول حقق أهدافه التي رسمها لنفسه يوم 14 جانفي 2011، ولا فريق الرئاسة تقدّم خطوات عملاقة للأمام، بعد الإعلان عن الإجراءات الاستثنائية يوم 25 جويلية 2021، وبقيت النتيجة يغلب عليها التعادل، وكأننا سنعيش تجربة الوقت الإضافي الذي قد يضفي إلى ركلات الترجيح، ففريق الأحزاب المنددة بالإجراءات الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية لم يستطع تهييج الشارع التونسي وتجييشه في المظاهرة الماضية لإحداث نقلة نوعية في الاحتجاجات على سياسات قيس سعيد، ولو كان الشعب التونسي يريد أن يزيح الرئيس ويقيله لنزل إلى الشارع كالطوفان الذي رأيناه وشاهدناه وشجعنا عليه يوم الرابع عشر من جانفي 2011، لكنه كان يمثل مئات من منتمي هذه الأحزاب التي ليس لها برنامج واضح لهذه السياسات وإنما تناضل فقط من أجل إسقاط الرئيس دون أن يكون لها بديل واقعي وملموس يخدم المواطنين لو حدث هذا السيناريو، بل ستجد نفسها في اضطراب كما وجدت نفسها أيام بعد هروب زين العابدين بن علي، وستتعارك هذه الأحزاب وستتقاتل لأنها تتضارب سياسيا وعقائديا.
من الذي يعمل من أجل الوطن؟ الأحزاب أم الرئيس؟
بينما فريقا الرئيس والحكومة يعملان بجد ونشاط، ولا يعبآن بما يجري حولهما من مناكفات سياسية، بل يعتقد الرئيس التونسي أن الرجوع إلى الوراء أمرٌ مستحيل، وأنه ينبغي أن يحقق أهدافه التي رسمها حتى يرضى الشعب التونسي بأدائه ويبقى دائما إلى جانبه، فهو يحتاج إلى دعم الشعب أكثر من دعم الأحزاب التي لا تستقر على رأي كما حدث خلال العشرية الماضية فلدينا 11 رئيس حكومة منذ الثورة وهو رقم كبير جدا مقارنة بالفترة الزمنية القصيرة نسبيا، ورغم ذلك لم يتحقق شيء ملموس على الأرض، فمن الذي يعمل من أجل الوطن؟ الأحزاب أم الرئيس؟
نستطيع أن نجزم أنه لو تركت المعارضة ما تسميه ديمقراطية في الظاهر، وتعمل من أجل تونس الوطن لا تونس الأحزاب، ستجد نفسها في قالب واحد مع رئيس الجمهورية الذي جاء منتخبًا ولم يأت على دبابة، فاتركوه يعمل في مدته وحاسبوه من خلال الصندوق، فكما جاء سيرحل، ولن يبقى أكثر من ولايتين حسب الدستور، اتركوه ينفذ استراتيجيته واتركوا أهواءكم، فلا تصادموه لمجرد أنه خالفكم، أو حاسبكم، أو ترككم، اتركوه يستمتع بفترته الانتخابية فهو الرئيس الذي يخول له الدستور أن يقوم بواجبه على أكمل وجه، واتركوا للشعب أن يقرر المصير والمسير، فلا تجعلوا أنفسكم أوصياء على الشعب التونسي، فأنتم جزء من الشعب ومن حقكم أن تخرجوا في مظاهرات ولكن ليس من حقكم أن تخرقوا القانون، وللدولة واجب أن تفرض هيبتها.
ولتكفَّ القنوات الفضائية الخارجة عن خط الصحافة المعتدلة كقناة الجزيرة عن تهريجها وتهييجها وتجييشها عبر نقل الصورة مقلوبة والتركيز على سلبيات الرئيس واعتبارها خروقات خطيرة، بينما تقزّم ما يقوم به من إصلاحات وإرادة قوية لدحر الفساد والاحتكار في البلاد، فالبلاد لا تتحمل المزيد ولا بد من وقف هذه الترهات التي تجري في الشوارع باسم الديمقراطية، ولتعمل الدولة وفق القانون مع الأمن والجيش والشعب، وعلى الرئيس الذي يملك أدوات القوة الآن أن يتصرف بحكمة حتى لا تنفلت الأمور إلى ما لا يحمد عقباه.
* محلل سياسي.
شارك رأيك