في قلب الفوضي التي تعيشها بلادنا منذ سنوات ولا تزال تتعمق يوما بعد يوم و ما رافقها تدريجيا من سقوط في جميع الميادين، خرج علينا سماحة مفتي الجمهورية عثمان بطيخ البارحة بنداء رسمي ذكر فيه بالأزمة الاقتصادية العميقة التي تمر بها البلاد وحث فيه الميسورين من أفراد الشعب إلى بذل ما في وسعهم لإعانة الدولة ماديا مشددا علي ضرورة إعلاء قيم التضامن والتآخي بين الجميع للاسهام في رفع التحديات الجسيمة التي تواجهها تونس… الموضوع يطرح عدة تساؤلات ربما لم تأخذ حظها من التمعن عند إصدار هذا البلاغ…
بقلم رؤوف الشطي *
الأسئلة التي يطرحها بلاغ مفتي الجمهورية
السؤال الأول هو لماذا مفتي الجمهورية بالتحديد و ليس جهة رسمية أخري في الدولة كرئيس الدولة أو وزيرة المالية أو وزير الشؤون الاجتماعية وهل نحن في حاجة إلى خلط الأوراق من جديد ودمج السياسة بالدين في الوقت الذي ينص فيه الدستور صراحة على أن تونس دولة مدنية؟
السؤال الثاني هو هل تم تدارس ما قد يكون لهذا البلاغ من انعكاسات ومضاعفات على معنويات الشعب وما هو المردود المؤمل من هذه المبادرة علما وان رؤوس الأموال والمستتمرين الداخليين أنفسهم يمرون بصعوبات مالية واقتصادية يعلمها الجميع
السؤال الثالث هو ان الأحوال الاقتصادية والمالية في البلاد وصلت إلى هذا الحد من التردي مما حدا بالدولة إلى استغلال الواعز الديني لدى عامة الشعب خدمة لقضايا اقتصادية لا دخل في الأصل للدين فيها ؟
السؤال الرابع هو هل أن المقصود هو أن يعي الشعب بصفة واضحة أن الحكومة أصبحت غير قادرة اليوم عن حل مشاكله الحياتية وأنه بات عليه أن يفهم ذلك ويعول على نفسه أكثر من أي وقت مضى ويستعد لتقبل القرارات الموجعة المرتبطة بالتعاون مع صندوق النقد الدولي والمانحين الأجانب الذين يربطون مساعدة تونس بإدخال إصلاحات في جميع المجالات ؟
السؤال الخامس هو هل فكرنا في انعكاسات مثل هذا البلاغ على موقف المانحين الدوليين وعلى رأسهم صندوق النقد الدولي في الوقت الذي تسعي فيه الحكومة جاهدة لكسب وده، أم أننا بهكذا مبادرة نؤكد له بصورة غير مباشرة أن الحكومة تستغل كل شيء لإقناع الشعب بضرورة الانخراط في الإصلاحات مهما كان الثمن؟
لكن السؤال الأهم الذي يتصدر كل هذه الأسئلة هو كيف يمكن للحكومة اليوم إقناع الشعب بأنه بات عليه أن يعول على نفسه ولا شيء غير نفسه وأن يكون مستعدا لتقديم المزيد من التضحيات؟ وهو الذي ما انفك يكابد الأمرين لمجابهة ظروف الحياة التي أصبحت لا تتطاق… فضلا عن أن قسما هاما من الشعب فقد الكثير من ثقته في القائمبن اليوم علي شؤون الدولة لتباطؤها في الاستجابة للتطلعات المشروعة التي عبر عنها الشعب بقوة في هبته التاريخية يوم 25 جوبلية 2021 في كامل أنحاء الجمهورية ومن ضمنها محاسبة الجهات المسؤولة رأسا عن الانتكاسات التي عرفتها تونس في العشرية الأخيرة في ظل حكم الإسلامين…
تجنيب البلاد التدخلات الأجنبية الخطيرة والمفضوحة
خلاصة القول أن مثل هذا البلاغ لن يجدي نفعا بل علي العكس قد يزيد في تقليل قيمة الدولة في الداخل والخارج… وقد يكون من الأحري في الوقت الحالي ان يستنهض رئيس الجمهورية المركزية النقابية ومنظمة الأعراف لمخاطبة الأمة ومصارحة الشعب في خطاب علني بالحقيقة مع الإعلان في الإبان عن قرارات جريئة في الميدان الاقتصاي والمالي من شأنها أن تستحث الشعب في الداخل والخارج على التمسك بالقيم الوطنية وفهم الحقبة المفصلية وتقديم التضحيات لمدة معينة، على غرار ما تم اتخاذه في بلدان أخري كاليونان في سنة 2012 أو البرتغال… علما أنه ليس لنا أي خيار آخر…
بالتوازي يقترح أن يعلن رئيس الجمهورية عن إعداد البلاد للانتقال إلى فترة سياسية جديدة، بعيدا عن المشاريع الطوباوية الخطيرة على استقرار الدولة والمجتمع، تشارك في بنائها جميع الأحزاب ما عدى التي ترتكز على مقومات دينية، وتتميز الفترة المقبلة بانتخابات عامة رئاسية وتشريعة يشرف عليها ملاحظون دوليون وذلك بعد إعداد دستور جديد وإدخال تنفقيحات على المجلة الانتخابية ومحاسبة المذنبين… علما بأنه ليس لنا من خيار غير هذا… حتى نجنب بلادنا ما يحدث الآن في بلدان أخرى من تدخلات أجنبية خطيرة ومفضوحة… تنتهك صراحة سيادة الدولة وتجعلها تحت الوصاية الدولية… وهذا مانرفضه جملة وتفصيلا.
* سفير سابق.
شارك رأيك