لا ندرى هل نصدق نتيجة الاختبار الطبي المجراة بواسطة الدكتور المنصف حمدون وهو الذي كثيرا ما حامت حوله الشكوك و الاسترابة في مراحل سابقة أم نصدق التصريحات المثيرة للمحامي الأستاذ عماد بن حليمة و التي تؤكد بأن هناك مخدرات يمكن استعمالها لإجبار الضحية على شنق نفسه و لا تظهر في التحاليل لكن الثابت أن هناك ضحية و هناك اتهام واضح و صريح لحركة النهضة و هناك حديث على أن وزارة الداخلية لا تزال مخترقة و هناك من يقف وراء جريمة غامضة لن تبوح بأسرارها مهما طال الوقت خاصة في ظل قضاء عاجز مقعد و مفخخ.
بقلم أحمد الحباسي *
“محسن قالي باش يقتلوني و مستحيل يخلوني حي”، هذا ما جاء على لسان كثير من الذين كانوا مقربين جدا من النقيب المغدور محسن العديلى، هذه الاتهامات الصريحة لم تأت من فراغ خاصة حين نعلم الخلفية الاستخباراتية للبطل الراحل.
طبعا هناك جهة أو جهات تتحمل المسؤولية الجنائية و هناك جهة سيادية تتحمل المسؤولية الأخلاقية و السياسية بما يعنى أن دم النقيب الراحل قد وزّع بين القبائل ما سيعطل تماما عملية كشف الحقيقة.
أولا لا بد من الإقرار أن العديلي قد كشف في السابق على كونه يملك من الوثائق الدامغة التي تدين قيادة حركة النهضة و بالذات جهازها العسكري السري، هذا الجهاز الأخطبوطي المرعب الذي يقوم بأدوار استعلاماتية كبرى و تنفيذ لعمليات اغتيال إن استدعى الأمر ذلك تماما كما حصل مع الشهداء شكري بلعيد و سقراط الشارنى و محمد البراهمى و لطفي نقض.
لماذا لم توفر الحماية اللازمة للنقيب المقتول ؟
لا بد من الإقرار أيضا أن ما حدث للحركة من ارتباك بعد قرارات ليلة 25 جانفى الرئاسية قد جعلها لا تقبل بأي تهديد يفضح مخططاتها الجهنمية في هذا الفترة و عليه فقد كان واضحا أن ساعة رحيل النقيب العديلي بأي شكل من الأشكال قد حانت و لم يعد هناك مفرّ من التخلص منه.
على الجانب الآخر لا بد من الإقرار بكون الرئيس قيس سعيد و وزيره للداخلية توفيق شرف الدين يتحملان المسؤولية السياسية و الأخلاقية باعتبارهما قد أساءا إدارة المرفق العمومي و القيام بواجب حماية الدولة لأفرادها المهددين و هنا لا تختلف مسؤولية الرئيس الحالي قيس سعيد عن مسؤولية الرئيس المؤقت السابق المنصف المرزوقي و وزير داخليته على العريض في جريمة اغتيال الشهيد محمد البراهمى. ليبقى السؤال القائل لماذا رفض وزير الداخلية توفير الحماية اللازمة للنقيب محسن العديلى؟ هل تمت مغالطة الوزير من طرف قيادات أمنية لم تقدم التقارير اللازمة بشأن ضرورة توفير الحماية؟ لماذا لم يأخذ الوزير بعين الاعتبار مضمون الوثائق الخطيرة التي تمس من أمن الدولة؟ ما هي درجة علم الرئيس بملف النقيب الراحل؟ من دفع الرئيس إلى عدم الإسراع بحماية كادر أمنى بمثل هذه الأهمية و لماذا لم يقدم الوزير استقالته من باب الإقرار بالمسؤولية؟
نحن إذن إزاء جريمة مركبة و إزاء معطيات خطيرة جدا لا نعتقد أن الاكتفاء بفتح تحقيق سيكشف تضاريسها الوعرة و لكن من واجبنا نحو الفقيد أن نتساءل عن مسؤولية والى بن عروس المعفى في علاقة توليه إسناد رخص سيارات نقل فردى و جماعي لأشخاص إرهابيين، نتساءل أيضا عن دور وزارة الداخلية في عدم قيامها بالبحث المعمق اللازم قبل موافقتها النهائية على إسناد الرخص المشبوهة، نتساءل أيضا لماذا لم تفتح الوزارة بحثا داخليا في الموضوع و معاقبة المسئولين المتورطين خاصة و أن الموضوع قد تمت إثارته من كثير من الصحف.
من يسعى لإخماد صوت الحقيقة ؟
في كل الأحوال لا يجب إغفال أن النقيب الراحل قد أثار موضوع الرخص المشبوهة سنة 2020 في إذاعة “شمس .ف.م ” و في تصريح آخر يوم 16 نوفمبر 2021 لكن المثير اختفاء هذين التصريحين من الوجود مما يؤكد جدية و خطورة الاتهامات و كون الأطراف المتورطة بمن فيها والى بن عروس المطرود و المعروف بانتمائه لحركة النهضة و الذي تحوم حوله شبهات أخرى كثيرة قد سعوا لإخماد صوت الحقيقة بكل الطرق التي تعوّد عليها الجهاز العسكري السري للحركة منذ سنة 1981 .
من المؤكد أن الكثير من الذين كانوا وراء رحيل النقيب العديلى بهذه الطريقة المشبوهة سيذرفون دموع التماسيح و ربما سنشاهدهم يحملون نعشه و يمشون في جنازته و ستخرج علينا الماكينة الإعلامية لحركة النهضة و من يقفون وراءها في قطر و تركيا و إسرائيل بعناوين تضليل معتادة مثل “انتحار نقيب بالحرس الوطني” لكن هل ستنتهي معركة كشف حقيقة حركة النهضة و كثير من المتعاونين القاريين و العرضيين مثل جوهر بن مبارك و حمة الهمامى و غازي الشواشى و الصافي سعيد و غيرهم؟
بالطبع لا لأن البحث عن الحقيقة هو مسار لن يتوقف إلا بمحاسبة الخونة و العملاء الذين دمروا الدولة و نهبوها و أشاعوا الإرهاب مثل نورالدين البحيرى و عبد الكريم الهارونى و وليد البنانى و الحبيب اللوز و الصحبى عتيق و غيرهم.
من الذي قطع فرامل سيارة النقيب الراحل قبل ساعات من حادثة الاغتيال التي أدت بحياة النقيب العديلى و أين اختفى سلاحه الشخصي و لماذا تتكتم الداخلية على عملية الاختفاء و ماذا يحوى الهاتف النقال للشهيد من معلومات و مكالمات و مراسلات نصّية ؟ من هو الطرف أو الأطراف التي حمّلها النقيب الراحل نسخا من المؤيدات الخطيرة حتى تكشفها للرأي العام في صورة اغتياله و هل ستؤدى هذه الجهات واجب الأمانة ثم هل سيكون للأبحاث دور في كشف الحقيقة وراء رحيل الشهيد محسن العديلى، من الذين يقفون وراء التهديدات و محاولة اغتيال رئيس مكتب الديوانة ببنزرت منذ يومين؟ من الذي يقف وراء حرق سيارة أحد الكوادر الأمنية ليلة الثلاثاء الماضية؟ ما سر تصاعد نشاط “الذئاب الإرهابية المنفردة” موضوع مناشير التفتيش الأخيرة منذ أشهر قليلة؟ هل شعر الغنوشى بقرب نهايته و محاسبته فقبض على زر الإرهاب و تصفية كل الأصوات التي تملك وثائق إدانته؟ متى سيمر الرئيس للمحاسبة بدل الخطب الفوضوية؟
*كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك