في السياسة ليست هناك استقالة، في السياسة ليس هناك غير الإقالة، و السيدة نادية عكاشة، الوزيرة رئيسة ديوان الرئيس قيس سعيد السابقة، لم تستقل كما أكدت في تدوينة على الفايسبوك، أول أمس، الإثنين 24 جانفي 2022، بل تم دفعها إلى الاستقالة و عليه فما حدث هو إقالة من يتفنن بعض الظرفاء بتسميتها بالصندوق الأسود لرئاسة الجمهورية.
بقلم أحمد الحباسي *
بطبيعة الحال لا أحد من كل هؤلاء “المنجمين” الذين نصادفهم في وسائل الإعلام له علم بما حدث داخل أسوار قصر قرطاج و لكن لا أحد يمكنه أن ينكر أن خروج السيدة نادية عكاشة بهذه الكيفية المفاجئة و من الباب الصغير و دون حتى أن تتوجه بالشكر للرئيس قد أعطى لبعض زواحف السياسة القذرة في تونس فرصة نهش هذه الفريسة التي طالما استهدفتها سهام الحاقدين و الضالين و المتآمرين و كل من فقد موقعه أو طمح في موقع دون أن يناله.
مسلسل الصمت المباح فى قصر قرطاج
لا عجب أيضا أن يستمر مسلسل الصمت المباح فى قصر قرطاج و عليه فلن يظفر بعض اللاهثين بأي تسريب حول حقيقة ما حدث قبل صدور تدوينة ” الإقالة ” .
الثابت أن السيدة نادية عكاشة قد “كبر” رأسها و رأت في نفسها المرأة الحديدية و أنها ستكون سيدة القصر الأولى و الأقرب إلى عقل الرئيس لكن و بالمقابل أيضا فالظاهر أن هذه السيدة قد استهانت كثيرا أو لم تقدر على مواجهة ألاعيب القصر و دناءة تصرفات بعض “أولاد الحلال” فوجدت نفسها هذه المرة مطالبة بتقديم استقالتها حفظا لماء الوجه قبل أن يضيع الرئيس بعض الوقت في كتابة قرار إقالتها “بالبلومة و دبّوزة الحبر” إياها.
لا أحد بعد أيام سيهتم بخروج السيدة نادية عكاشة لأن أقلام الرداءة و محللي الحرام و الحلال سيجدون حتما فريسة أخرى يتولون تقطيع أوصالها كالعادة.
أيضا لن ينتظر أحد أن ينبس الرئيس في موعد الاجتماع الوزاري القادم ببنت شفة لتأبين كرسي “الفقيدة” الشاغر على بعد مساحة الأصابع من طاولة الاجتماع فالسياسة ليست المساحة الفضلى للمشاعر أو للعتاب أو المؤاخذات العاطفية.
قطار السياسة يمكنه أن يتعطل فجأة
سقطت “سيدة القصر الأولى” و ما حدّ سمّى عليها كما يقول الأخوة في مصر المحروسة كما سقط قبلها كثيرون من الذين ظنوا في لحظة غرور سياسية أنهم قد بلغوا القمة و لن ينزلوا منها أبدا متجاهلين للأسف أن قطار السياسة يمكنه أن يتعطل فجأة و يكمل المسافرون بقية المسافة على الأقدام.
دعكم من الترهات الصحفية حول نادية عكاشة و من تفوّهات بعض أقزام السياسة عندنا لأن هؤلاء قد امتهنوا حرفة بيع القرد و الضحك على من اشتراه و انتبهوا إلى أن هذه الاستقالة تأتى فى وقت بدأت دائرة أصدقاء الرئيس تضيق و تتوسع دائرة أعدائه.
انتبهوا أيضا إلى نص “الاستقالة” حين تجدون عبارة على غاية من الخطورة مفادها أن “الاستقالة قد تمت بسبب اختلافات جوهرية حول تسيير البلاد” بين سيد قرطاج الأوحد و مديرة أعماله.
نعم، استقالت السيدة نادية عكاشة بسبب اختلافات جوهرية مع أفكار الرئيس بما يعنى طبعا أن هذه السيدة الغامضة لم تكن تقوم بوظيفة بمكتب الرئيس بل بشريك فاعل فى تسطيير سياسات الدولة و اختيارات الرئيس.
وهنت الدولة و سامها كل مفلس
هكذا سقط مفهوم الدولة و وهنت و سامها كل مفلس و هكذا نفهم في نهاية المطاف كيف استحوذ كمشة من الهواة منذ 14 جانفي 2011 على مفاصل الدولة إلى الآن حتى انتهوا بهذا البلد إلى حافة التسول و الإفلاس.
لقد اختلط الحابل بالنابل و أصبح لكل موظف بالقصر سلطته و رأيه و تدخله و بات الرئيس مجرد وزير أول أو رئيس تصريف أعمال ينفذ سياسة الإخوة الأعداء أو سياسة هؤلاء الشركاء الذين يتقاسمون الخراب الذين استباحوا كل شيء لترضية نزواتهم و ميولاتهم المشبوهة حتى صرنا مجرد رعية لا حول لها و لا قوة أمام تلاعب طغمة فاسدة أدارت ظهرها لمشاكل البلاد و تلهّت بتحصين مواقعها في انتظار اللحظة الصفر للقفز على السلطة.
بطبيعة الحال من حق السيدة نادية و غيرها أن ترتفع طموحاتها و أن تستسهل الأمور حتى تظن أنه من المعقول أن لا تمر سياسة أو مشروع دون أن تتم استشارتها و الاستعانة برأيها ليبقى السؤال هل كانت السيدة نادية عكاشة مجرد موظفة سامية أم العقل المدبر لكل قرارات الرئيس التي تبين إفلاسها بعد مرور لحظات الانتشاء الشعبية الأولى ليلة 25 جويلية 2021.
* كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك